فالصدق في النيات: هو أن تريد بالعمل وجه الله تبارك وتعالى، ولا تريد رئاء الناس، يقول الله تبارك وتعالى عن المنافقين:{وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ}[التوبة:١٠٧]؛ لأنهم كذبوا في نياتهم.
الصدق في العزم: يقول سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه: والله! لئن أقدم فتضرب عنقي، أحب إليّ من أن أتأمر على قوم فيهم أبو بكر الصديق.
والصدق في العزم يتفاوت، فرب رجل يقول: عليّ لله إن أعطاني مالاً أن أتصدق بجميع هذا المال، ولكنه إذا أتاه المال يكون متردداً.
وقد يقول رجل: إني أحب أبا بكر الصديق، ولكن لا يكون في عزمه كعزم سيدنا عمر، فسيدنا عمر يقول: والله لئن أقدم فتضرب عنقي أحب إليّ من أن أتأمر على قوم فيهم أبو بكر الصديق.
وهذا صدق في العزم.
ومثل سيدنا أنس بن النضر رضي الله عنه عندما غاب عن مشهد بدر، فقال: أول مشهد شهده رسول الله صلى الله عليه وسلم مع الكافرين وأغيب عنه! والله! لئن أشهدني الله مشهداً آخر لأرين الله ما أصنع.
يقول أبو تراب النخشبي: إن الرجل إذا صدق في عزمه أعطاه الله حلاوة العمل قبل مباشرته للعمل.
يعني: إذا علم الله عز وجل من نيتك ومن عزمك الصدق ألبسك رداء هذا العمل قبل أن تفعله، وأعطاك بصيصاً من حلاوته قبل أن تقدم عليه.
فالأصل: المتاجرة مع الله عز وجل بالقلوب، وسيدنا أنس بن النضر عندما خرج إلى جبل أحد، فقال له سعد بن معاذ: إلى أين يا أبا عمرو؟ فقال: إليك عني يا سعد بن معاذ، والله! إني لأشم ريح الجنة من دون أحد.
وقاتل حتى قتل، فما عرفته إلا أخته الربيع بنت النضر ببنانه فقط، وفيه نزل قول الله عز وجل:{مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا}[الأحزاب:٢٣].
يقول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث نعيم بن همار الذي أخرجه الإمام أحمد وأبو يعلى والطبراني في الأوسط بإسناد صحيح، قال:(الشهداء الذين يقاتلون في سبيل الله في الصف الأول، ولا يلتفتون بوجوههم حتى يقتلوا، يلقون في غرف الجنة العليا يتلبطون، يضحك الله تبارك وتعالى إليهم، وإن الله تبارك وتعالى إذا ضحك إلى عبد فلا حساب عليه).