وبعض الناس يظن أن الصدق هو مجرد الصدق في الكلام والحديث، أي: أنك عندما تتكلم لا تكذب، وهذا أحد جوانب الصدق وأحد أقسامه، بل ربما يكون أقل أقسامه، وإن كان المتخلف عنها في عداد المنافقين، وهناك أقسام أخرى للصدق: من ذلك الصدق في الإخلاص، فقد يدعي الإنسان الإخلاص وهو كاذب في إخلاصه، والدليل على ذلك: حديث الثلاثة الذين هم أول من تسعر بهم النار يوم القيامة، (فيؤتى بأحدهم فيسأله الله ويعرفه نعمه فيعرفها، فيقول: ماذا عملت؟ فيقول: قرأت فيك القرآن وتعلمت العلم وعلمته، فيقول الله: كذبت).
والكذب هنا ليس كذباً في الكلام ولكنه كذب في الإخلاص، فهو حقاً قد قرأ القرآن وتعلم العلم وعلمه، لكنه لم يفعل ذلك لله عز وجل، ولكنه قرأ ليقال: قارئ، وتعلم ليقال: عالم، وقد قيل، ثم يؤمر به فيسحب على وجهه حتى يلقى في النار.
ثم ذكر بقية الثلاثة وفيهم الجواد الكريم الذي يقول له الله عز وجل: كذبت؛ إنما أنفقت ليقال: جواد، وفيهم المقاتل في سبيل الله الذي يقول له الله عز وجل: كذبت؛ إنما قاتلت ليقال: شجاع وجريء، فقد قيل.