للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[نماذج من قصص التابعين في قيام الليل]

كان علي بن الفضيل لا يأتي فراشه إلا زحفاً كما يزحف البعير، وإن قدميه لملتصقتان من أثر القيام.

وكانت امرأة مسروق بن عبد الرحمن تجلس خلف مسروق في ظلام الليل وهو يصلي تبكي له؛ رحمة مما يصنع بنفسه، وكان لا يأتي صلاته إلا زحفاً كما يزحف البعير.

يا إخوتاه! صاح الديك فلم تنتبهوا، وأعاد فلم تفيقوا، فقوى ضرب الجناحين، فلطم خديه حزناً على مصيبتكم.

يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (لا تسبوا الديك فإنه يوقظ للصلاة).

فرحم الله رجلاً أعان الناس على قيام الليل.

يقول صلى الله عليه وسلم: (من قام الليل بعشر آيات لم يكتب من الغافلين، ومن قام الليل بمائة آية كتب من القانتين، ومن قام الليل بألف آية كتب من المقنطرين)، والقنطار خير من الدنيا وما فيها فأين المقنطرون؟ قال الحافظ ابن حجر ألف آية جزء عم وجزء تبارك.

ويجوز لك في رمضان بعد أن تصلي التراويح الإكثار من النوافل، وأرجح الأقوال في قيام الليل: أنه من النوافل المطلقة، فبعد أن تعود من التراويح وتصلي الوتر إن كان عندك ليل طويل فتستغله في العبادة والطاعة والصلاة، وإلا فسيأتي الشيطان فيقول: عليك ليل طويل فارقد، أو كما يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ذاك رجل بال الشيطان في أذنيه).

يقول الحسن البصري: إنه والله بول ثقيل.

والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (سبحان الله! ماذا أنزل الليلة من الفتن، ماذا أنزل الليلة من الخزائن، من يوقظ صواحب الحجرات، يا رب كاسية في الدنيا عارية يوم القيامة).

شهر رمضان شهر الجنة، ألم يقل المصطفى صلى الله عليه وسلم: (إذا كان أول ليلة من رمضان فتحت أبواب الجنة فلم يغلق منها باب، وغلقت أبواب النيران فلم يفتح منها باب، وصفدت الشياطين مردة الجن، ونادى مناد من السماء: يا باغي الخير أقبل، ويا باغي الشر أقصر، ولله عتقاء من النار وذلك في كل ليلة).

ففي رمضان تصفد الشياطين ومردة الجن، لكن شياطين الإنس لا يصفدون، وخرس الله تبارك وتعالى أفواههم إن لم يتوبوا، وخرس أفواههم حتى يعودوا إلى رحابه تبارك وتعالى.

نسأل الله تبارك وتعالى أن يشغلهم به عن فجورهم وعن تمردهم على طاعة الله.

عباد أعرضوا عنا بلا جرم ولا معنى أساءوا ظنهم فينا فهلا أحسنوا الظنا فإن خانوا فما خنا وإن عادوا فقد عدنا وإن كانوا قد استغنوا فإنا عنهم أغنى هانوا عليه فعصوه، ولو عزوا عليه لعصمهم يا إخوتاه! هذا شهر الجنة، والله ما فتحت الجنة لأمة من الأمم مثلما فتحت لأمتنا هذه، ومع هذا لا نرى لها طالباً، فمهر الجنة طول التهجد في ظلمات الليالي وفي ليالي رمضان خاصة.

إن أهل السماء ليصلون عليكم، وينظرون إليكم أيكم يقال فيه: يا جبريل أقم فلاناً، وأنم فلاناً.

كذب من ادعى محبتي فإذا جنه الليل نام عني.

اتقوا الله تبارك وتعالى، وأمهروا الجنة، وأمهروا حورها، ودع المفرغات من ماء وطيب، وأشغل هواك بالحور العين.

قال أبو سليمان الداراني: نمت ذات ليلة عن وردي فإذا أنا بحوراء من أهل الجنة تأتيني في المنام، وتقول: أتنام والملك يقظان؟! بؤساً لعين آثرت لذة نوم على مناجاة الملك العلام، ثم تقول له: أتنام وأنا أربى لك في الخدور منذ آلاف الأعوام، ثم أنشدته شعراً حفظه: أتخطب مثلي وعني تنام ونوم المحبين عنا حرام لأنا خلقنا لكل امرئ كثير الصلاة براه القيام أين ابن أدهم والفضيل؟ أين رجال الليل؟ ذهب السادة وبقي قرناء اللحاف والوسادة.

قم الليل يا أخي! إذا جن الغاسق حن العاشق، وقلوب المحبين جمرة تحت شحمة الليل، إذا هب عليها نسيم السحر أجج ما فيها من شوق إلى الله تبارك وتعالى.

قالوا للحسن البصري: ما بال المتهجدين بالليل من أحسن الناس وجوهاً؟ قال: لأنهم خلوا بالرحمن فألبسهم من نوره.

وهذا الحافظ عبد الغني المقدسي قام إلى صلاته من الليل وكان معه في البيت رجل شمسي -يعبد الشمس-، فلما سمع قراءة عبد الغني المقدسي زفر، وبعد أيام أسلم، فقال للحافظ عبد الغني المقدسي: لما استمعت إلى قراءتك أسلمت.

والحافظ عبد الغني المقدسي كان الناس يصطفون لرؤية وجهه، لسطعات النور التي على وجهه من أثر التهجد، فكذلك كن، فهم لكم سلف ونعم السلف.