للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الحياء من الناس]

والموقف الآخر الذي لن تنساه إن نسيت نفسك وقوفك بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم أمام حوضه يسألك عن ميراثه، هل حفظت شيئاً منه أم ضيعته؟ فلا يعقل أن تكون حافظاً لاحتياطي فريق الكروم وناسياً لأحاديث النبي صلى الله عليه وسلم فيمن تحرم عليهم النار وأول من يدخلون الجنة، ودرجات القرب من الله عز وجل، والعشرة المبشرين بالجنة، وغافلاً عن كل شيء في حياتك وفي تاريخ الإسلام، وأهم المعارك التي خاضها المسلمون، طالما أن كل حياتنا كرب وانكسار وخيبة أمل، ولم يبق إلا رحمة الله عز وجل.

فاقرأ أيام الرجال العظام مثل معركة الزلاقة وقائدها ابن تاشفين الذي صنع هرماً من رءوس الكفرة، ثم أذن المؤذن من فوقه، واعرف فتوحات المسلمين في أوروبا إلى حدود بودابست في شرق آسيا، واعرف الرجال العظام الذين فجروا معركة ذات الصواري، وفتح الفتوح نهاوند، وكيف أن المسلمين سيطروا على العالم وكيف ضيعوه، وهل يعيد التاريخ نفسه أم لا؟ فهذه أمور كثيرة لابد أن تعرفها، وقف مع نفسك واعرف ما هي علوم القلب، فربما تلطخت بكبيرة أشد عليك من الزنا والسرقة وأنت لا تعرف، واعرف العجب والكبر والفرق بينهما؛ لئلا يكون قلبك متلطخاً بالعجب أو بالكبر وأنت لا تدري.

وتعرف علوم القرب من الله عز وجل، وعلوم القلب من الإخلاص والخشية والرجاء والتبتل والثقة بالله عز وجل والتفويض والتوكل؛ لعل القلب يشيح بصيصاً من نورها.

فاستحي من الرسول صلى الله عليه وسلم إن كنت سادراً في غيك في الدنيا، هملاً مع الرعاع لا تعرف شيئاً، أينما برز إليك بارز من الدنيا طرت إليه زرافات ووحداناً.

فتعرف على رسولك صلى الله عليه وسلم وعلى سنته وسيرته، وتجنب البدع؛ حتى لا يعاتبك النبي صلى الله عليه وسلم عتاباً يقطع نياط القلوب الطاهرة.

وكان السلف ربما رأى أحدهم رؤيا في المنام فتجبه عن المعاصي، فقد كان رجل جاراً للإمام أحمد وكان يفعل السيئات والكبائر، ثم أتى يوماً إلى الإمام أحمد فرآه معرضاً عنه، فقال: لم تعرض عني يا إمام! وقد تركت ما كنت فيه من المعاصي لرؤيا رأيتها؟ قال: وأي شيء رأيت؟ قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في النوم كأنه على علو من الأرض وحوله ناس كثير أسفل منه جلوس، فيقوم الرجل منهم إليه، فيسأله ادع لي، فيدعو له حتى لم يبق في القوم غيري، فأردت أن أقوم فاستحييت من قبيح ما كنت أصنع، وخجلت من أن أقوم بين يدي رسول الله أسأله وأنا قد فعلت ما فعلت، قال: فقال لي: يا فلان! لم لا تقوم إلي فتسألني مثلما سألني الناس فأدعو لك؟ فقلت: يا رسول الله! يقطعني الحياء منك، لا أستطيع أن أقوم؛ لقبيح ما أنا عليه، قال: فإن كان يقطعك الحياء فقم، فسلني أدعو لك، فإنك لا تسب أحداً من أصحابي، قال: فقمت فدعا لي، فانتبهت وقد بغض الله إلي ما كنت عليه، فقال الإمام أحمد: يا جعفر! يا فلان حدثوا بهذا واحفظوه؛ فإنه ينفع.

وربما استحيا الرجل منهم من الصالحين حتى يموت من الحياء، قال أبو الفتح بن مخرق: تعلق رجل بامرأة من أهل الشام فتعرض لها وبيده سكين، ولم يستطع أحد أن يقرب منه، وكلما اقترب منه رجل عقره، والمرأة تصيح ولا يستطيع رجل أن يقرب منها، فتقدم منه رجل شيخ، فحك كتفه بكتفه، فسقط الرجل وهو يتصبب عرقاً مغشياً عليه، وولت المرأة هاربة، ثم لما أفاق الرجل قالوا: ما الذي جعلك تسقط مغشياً عليك؟ قال: اقترب مني رجل فقال: اتق الله! فإن الله ناظر إليك، فخررت من كلمته، فقالوا: أما تعرف هذا الرجل؟ قال: من هو؟ قالوا: بشر بن الحارث الحافي، قال: أوقد رآني بشر على المعصية، فحم من وقته، ومات في اليوم السابع.

فقراءة التراجم تؤدبك في وقت غاب فيه المؤدب والقدوة، ومن أهم وسائل التربية أن تقرأ سير أعلام النبلاء، فتتأدب وتتربى وتعرف مقامك جيداً، وتعرف أين أنت من علوم الناس ودرجاتهم، وكم من العلوم حصلوا وفاتتك، وكم من الآداب تجملوا به وفاتتك، فتعرف قدرك.