للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[مقارنة بين ليل الصالحين وليل العصاة]

وهناك أكثر من خمسمائة مقارنة بين الصالحين وبين العصاة، وتجد هذا عند الموت، بل تجده عند الموت الأول في ليل هذا وفي ليل هذا.

فليل الصالح دموع ورجاء وأمل بالله عز وجل، وخوف يقطع نياط القلوب الطاهرة، ودعاء ورغبة وذل على باب سيده، يقول: أسألك بعزتك وذلي، وأسألك بغناك عني وحاجتي إليك إلا رحمتني، عبيدك سواي كثير وليس لي سيد سواك، أسألك مسألة المسكين، وأبتهل إليك ابتهال الخاضع الذليل، سؤال من رغم لك أنفه، وذلت لك رقبته، وخضع لك جميع أمره.

والصالح لا تجده في الليل إلا هكذا.

والآخر لا تجده إلا في صياح في كازينو أو في ملهى ليلي.

فالصالح يصف قدميه بين يدي مولاه، ولا يأتي فراشه إلا زحفاً، فإذا أتى إلى فراشه بكى وقال: سبقني العابدون وقطع بي، ويقول لنفسه: قومي يا مأوى كل سوء! وهل رضيتك لله طرفة عين؟ ويقول أحدهم: إني لأصلي الركعتين لله عز وجل، أقوم منهما بمنزلة السارق والزاني الذي يراه الناس، ينكرون أنفسهم ويحتقرونها.

ويقول مالك بن دينار: إذا ذكر الصالحون فأف لي وتف.

ويقول محمد بن واسع: لو كانت للذنوب رائحة ما استطاع أحد أن يجالسني من نتن رائحتي.

فكانوا يمقتون أنفسهم، ويظلون طوال الليل قانتين لله عز وجل، فإذا كان السحر مالوا إلى الاستغفار.

يقول الحسن البصري: وكأنهم أسلفوا في ليلهم الجرائم.

وكأنهم باتوا مصرين على القبائح والمعاصي.

فهل يستوي ليل هذا وليل ذاك؟ لا يستويان.

والصالح سماعه سماع النبيين والصديقين من أحسن الحديث والطيب من القول؛ سماعه القرآن الكريم يردده في صدره، ويردد الآية ويتعجب كيف ينام الناس عن هذا القرآن! يقول أحدهم: إني لأتعجب لحفظة القرآن -أو لقراء القرآن- كيف يذوقون النوم؟ وكيف ينامون ومعهم القرآن؟ أما والله! لو علموا ما حملوا لطار عنهم النوم فرحاً بما رزقوا.

والعاصي رجل بال الشيطان في أذنيه، وعقد الشيطان على قافية رأسه: عليك ليل طويل فنم ولا تقم، فليل هذا ليل كله غفلة، ينام حتى عن صلاة الظهر.

فلا يستوي هذا وذاك.