[أهمية التدرج في طلب العلم]
كان سلفنا الصالح يبدأون بصغار العلم قبل كباره، ونحن نريد أن نخرج من تلك الحالة السيئة التي يعيشها أغلب الملتزمين أو أغلب المتدينين، حيث إنه يأخذ علمه نتفاً ينتفها من الكتب، فقد يروق له هذا الكتاب تارة فيأخذ منه صفحة أو صفحتين أو غير ذلك، ثم ينتقل إلى غيره، ثم إلى ثالث وإلى رابع، ويكون حاله كحال ذلك الرجل الذي قص علي بعض إخواني مثله، قال: إنه منذ ثلاثين عاماً يتعلم لكنه ما حصل شيئاً، فقيل له: كيف ثلاثون عاماً وما حصلت شيئاً؟! قال: إن مثلي كمثل رجل أراد أن يحفر بئراً ليتحصل على الماء، وكان الماء مثلاً على مسافة عشرة أمتار، فجاء وحفر خمسة أمتار في بئر ثم تركه، وانطلق إلى موقع آخر فحفر مترين، ثم إلى ثالث فحفر سبعة وإلى رابع وهكذا حتى حفر ثلاثين بئراً، وهو يحفر فيها ما بين متر ومترين وخمسة، فظل هكذا وما تحصل على الماء، ولو بقي على البئر الأول حتى حفر الأمتار العشرة لتحصل على الماء.
وهذا بالضبط مثل من يأخذ من هذا الكتاب تارة ومن هذا تارة، فلم يحصل علماً ولا أصولاً ولا وقف على أرض صلبة، ولو علم نفسه الصبر، وجلس وزاحم العلماء بالركب، وصبر نفسه ورباها وعودها على أن تتعلم ممن سبقها، وأن تبدأ من حيث انتهى الآخرون، وأن تتعلم ما تحبه وما تكرهه، وما تشتهيه وما لا تشتهيه؛ لأنه إنما يتعلم لله جل وعلا لا لكي يقضي وطره، أو لكي يشبع شهوته، أو يلائم هواه، فلو صبرها على هذا لنال بفضل الله العلم والتربية.
ومسك الختام هو أن نرد الأمر إلى أهله، ونعطي أصحاب الحقوق حقوقهم، وما شكر الله جل وعلا من لم يشكر الناس، وما شكر الله تبارك وتعالى من لم يشكر من أجرى النعمة على يديه.
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم.
أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
أما بعد: قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم في الحديث الذي صح عنه: (إنما العلم بالتعلم، وإنما الحلم بالتحلم، ومن يتحرى الخير يعطه، ومن يتق الشر يوقه).
فالنبي صلى الله عليه وآله وسلم أمرنا بالأخذ بالأسباب لنتعلم، وقال تعالى: {وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ} [البقرة:٢٨٢]، فمن تقواك لله جل وعلا أن تسلك سبيل العلم، واعلم أنك لن تصل إلى الله جل وعلا إلا عن طريق العلم، فالسائر على غير علم كالسائر على غير طريق، والذي يعبد الله جل وعلا على غير علم يفسد أكثر مما يصلح، فقليل مع العلم خير من كثير بغير علم.
نسأل الله تبارك وتعالى أن يوفق الجميع ليتعلموا ما ينفعهم في دينهم ودنياهم، ونسأل الله تبارك وتعالى أن يبارك في هذه الأعمال، وأن يجعلها خالصة لوجهه، ونسأل الله تبارك وتعالى أن يجمعنا وإياكم في الجنة.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.