للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[خوف الإمام أحمد من الله]

كان الإمام أحمد إذا ذكر الموت خنقته العبرة، وكان يقول: الخوف يمنعني من أكل الطعام والشراب، وإذا ذكرت الموت هان عليّ كل أمر الدنيا، إنما هو طعام دون طعام، ولباس دون لباس، وإنما هي أيام قلائل، ما أعدل بالفقر شيئاً، لو وجدت السبيل لخرجت حتى لا يكون لي ذكر.

قال الإمام أحمد: أريد أن أكون في شعب من شعاب مكة حتى لا أعرف، لقد بليت بالشهرة، إني أتمنى الموت صباحاً ومساءً.

يقول ذلك من خوفه من الشهرة.

قال المروزي: ذكر لـ أحمد أن رجلاً يريد لقاءه، فقال: أليس قد كره بعضهم اللقاء يتزين لي وأتزين له.

التقى سفيان الثوري بـ الفضيل بن عياض فتذاكرا فرقاً فدمعت أعينهما، فقال الإمام سفيان الثوري: إني لأرجو أن يكون مجلسنا هذا خير مجلس جلسناه علينا بركة، قال: ترجو هذا؟ إني أخاف أن يكون أشأم مجلس جلسناه علينا شؤماً.

فقال سفيان للفضيل: لم؟ قال: ألست عمدت إلى أحسن ما عندك من الكلام فأخرجته لي، وعمدت أنا إلى أحسن ما عندي من الكلام فأخرجته لك فتزينت لي وتزينت لك، فراءيتني وراءيتك، فعبدتني وعبدتك! فبكى سفيان وقبّل رأس الفضيل بن عياض وقال: أحياك الله كما أحييتني.

قال الإمام أحمد: ليتنا نترك الطريق ما كان عليه بشر بن الحارث الحافي.

فقلت له: إن فلاناً يقول: لم يزهد أبو عبد الله في الدراهم وحدها، بل زهد في الناس.

فأنت تجد الرجل يملك مليون جنيه، يريد أن يدخل انتخابات الشعب ومجلس الشورى، وهو يعلم أنه لا أحد يعلم، وأنه ساقط ساقط، فينفق منها ربع مليون جنيه.

إذاً: الرجل يبذل المال من أجل الشهرة، فالزهد في المال شيء بسيط جداً، وإن كانت الدنيا لا تساوي عند الله جناح بعوضة وأنت تركتها كلها فإن الزهد قصر الأمل، والزهد الزهد في النفس؛ فلما قيل للإمام أحمد أنت لم تزهد في الدراهم وحدها، بل زهدت في الناس، قال: ومن أنا حتى أزهد في الناس؟ الناس يريدون أن يزهدوا فيَّ.

هذا هو الإمام أحمد، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.