[الرد على الأشاعرة في قولهم ليس هناك ربط بين الأسباب والمسببات]
بعض الناس ومنهم الأشاعرة يقولون: إن الله تبارك وتعالى قد يدخل النار أولى أوليائه، ويدخل الجنة أعتى أعدائه، وهذا قول الأشاعرة يدرسونه في الأزهر، ويتبعون ذلك لمحض الإرادة، يقولون: إن الله تبارك وتعالى {فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ} [هود:١٠٧] فيفعل أي شيء يريده.
وقولهم هذا قول باطل؛ لأن الله تبارك وتعالى لا يظلم أحداً، وقد أنكر الأشاعرة كل باء سببية في القرآن الكريم وأولوها وقالوا: إن النار لا تحرق بطبعها، يعني: لا توجد في ذاتها خاصية للإحراق، لكنك عندما تقرب منها الخشب تحرق.
وهذا يصادم العقل؛ قال شيخ الإسلام ابن تيمية: الذي يقول هذا ليس عنده أدنى مسكة من عقل، فالمولى تبارك وتعالى جعل الشبع والغذاء سبباً لحياة الناس وبقائهم، والولد يخلقه الله تبارك وتعالى في بطن أمه بإلقاء ماء الرجل في رحم المرأة؛ فالمسببات تكون بأسبابها.
ويقول الأشاعرة: إن الإنسان يشبع عند الأكل، أي: مجرد أن ينظر إلى الأكل يشبع، لكن علماء السلف يقولون: الإنسان يشبع لأن المولى تبارك وتعالى وضع خاصية الإشباع في الأكل، فإذا أكل الإنسان أكلة معينة لمدة معينة وبقدر معين يحصل الشبع بسبب هذا الأكل لا عند أكله، وهذه نقطة من نقط الخلاف الرئيسية بين الأشاعرة وأهل السنة والجماعة.
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: يقول الله تبارك وتعالى عن القرآن: {يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلامِ} [المائدة:١٦] فمن قال: يفعل الله عندها، أي: عند هذه الأسباب لا بها فقد خالف لفظ القرآن الكريم، ويقول: مع أن الحس والعقل يشهدان أن القرآن سبب لحصول الهداية، ويعلم الفرق بين الجبهة والعين في اختصاص أحدهما بقوة ليست موجودة في الآخر، فحاسة السمع أودع الله تبارك وتعالى فيها قوة للسماع، وحاسة البصر أودع الله تبارك وتعالى فيها قوة تختلف عن قوة السماع وهي قوة الإبصار، ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية: ويعلم الفرق بين الخبز والحصى، أن أحدهما أودع الله فيه خاصية الغذاء والآخر لا يحتوي على هذه الخاصية؛ فأهل السنة والجماعة يقرون بربط الأسباب بالمسببات، وهذه سنة من سنن الله تبارك وتعالى في الكون.
لكن الأشاعرة يقولون: ممكن أن يكون السبب موجوداً والمسبب عنه لا يحدث، مستدلين بقول المصطفى صلى الله عليه وسلم: (لن يدخل الجنة أحدكم الجنة بعمله، قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟! قال: ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمته) قالوا: مع أن الرجل يعمل صالحاً لكن من الممكن ألا يدخل الجنة، إذاً: السبب موجود والمسبب عنه الذي هو دخول الجنة قد لا يحصل وقد يحصل؛ وهذا لفهمهم الخاطئ للباء هنا، كما يقول الله تبارك وتعالى: {ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} [النحل:٣٢] جعل الله تبارك وتعالى عملهم الصالح سبباً لدخول الجنة، إذاً: الباء هنا باء السببية وتفهم من الحديث: (لن يدخل أحدكم الجنة بعمله) قالوا: هذه باء العوض، يعني: لا تظن أن عملك هذا تضعه في كفة ودخولك الجنة في كفة، وتقول: ثمن عبادتي أنني سأدخل الجنة، وعبادتي هذه تساوي دخول الجنة، صحيح أن دخول الجنة بالعمل، وميراث الدرجات أيضاً بالعمل، لكن هذا العمل ليس عوضاً عن الجنة، إذاً: (لا يدخل أحدكم الجنة بعمله) الباء هذه باء العوض والمقابلة، أي: لن تدخل الجنة مقابل هذا العمل الضئيل.
أيضاً ربط المولى تبارك وتعالى بين الأسباب وبين التوكل على الله تبارك وتعالى، فالتوكل: علم القلب بكفاية الرب، وكما يقول ابن القيم: قال الإمام أحمد: التوكل عمل من أعمال القلب، لكن اتخاذ الأسباب عمل من أعمال الجوارح، فلا منافاة بين اتخاذ الأسباب وبين التوكل على الله تبارك وتعالى؛ فهذا عمل للجوارح وهذا عمل وعلم للقلوب، فتعاطي الأسباب لا ينافي التوكل، كما قال المصطفى صلى الله عليه وسلم: (احرص على ما ينفعك، واستعن بالله ولا تعجز) والاستعانة بالله هي عين التوكل على الله تبارك وتعالى، وقوله: (ولا تعجز) أي: ولا تعجز عن اتخاذ الأسباب.
وإن قوماً قالوا: إنا متوكلون على الله تبارك وتعالى وخرجوا من الأسباب بالكلية، وهذا طعن في السنة، فرسول الله صلى الله عليه وسلم قال للرجل: (اعقلها وتوكل) قال: أعقلها أو أتوكل؟ قال: (اعقلها وتوكل)، ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (لو أنكم تتوكلون على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير، تغدو خماصاً وتروح بطاناً)، وكما قال الشاعر: توكل على الرحمن في الأمر كله ولا تعجزن يوماً عن السبب ألم تر أن الله قال لمريم وهزي إليك الجذع يساقط الرطب مع مباشرة آلام المخاض والولادة.
قال: ولو شاء أدنى الجذع من غير هزّها لجذع ولكن كل شيء له سبب فلا بد أن تعتمد على الله تبارك وتعالى مع مباشرتك للأسباب، يقول أبو بكر الصديق للرسول صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله! لو نظر أحدهم إلى أسفل قدميه لأبصرنا، قال: (يا أبا بكر ما ظنك باثنين الله ثالثهما) فالنبي صلى الله عليه وسلم أخذ كل الأسباب لسرية عملية الهجرة، ثم توكل على الله تبارك وتعالى بعد ذلك.