[دناسة قلب العاصي، والعقوبات المضروبة عليه]
العاصي لله عز وجل قلبه دنس، يقول الله عز وجل: {أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ} [المائدة:٤١]، إذاً فقلوبهم دنسة وقاسية، وعجباً للناس يبكون على من مات جسده ولا يبكون على من مات قلبه وهو أشد! ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (وما فشت الفاحشة في قوم قط إلا ابتلوا بالأوجاع - يعني: الأمراض - التي لم تكن في أسلافهم من قبل) والحديث حديث صحيح.
(وما فشت الفاحشة) أي: الزنا، (في قوم قط إلا ابتلوا بالأوجاع التي لم تكن في أسلافهم من قبل) والواقع خير شاهد.
وأنا كطبيب بشري في البكالوريوس أدخلونا متحف البتول فرأينا عينات من الأمراض، أقسم بالله - وأنا غير مبالغ - أنني رأيت حصوة في كلية رجل نزعها الأطباء ووضعوها في المتحف أقسم بالله أنها لا تقل عن حجر كبير كالذي يبنى به البيت، ولا أدري كيف نزعت من كلية هذا الرجل؟! شيء عجيب! وهناك أنواع السرطانات في كل نواحي الجسد، وخاصة أن السرطان يتنقل في أكثر من مكان، فهناك أشياء عجيبة! وتجد مثلاً: الرجل الذي يديم شرب الدخان لو اطلعت على رئته لرأيتها أشد سواداً من القار، فإذا كان هذا تأثير المعاصي في جسد الإنسان فما ظنك بتأثير المعاصي في قلب الإنسان؟! إن المتتبع لآيات القرآن الكريم يجد أن الله عز وجل ضرب على القلب أكثر من ثلاثين مرضاً، وأكثر من ثلاثين عقوبة ذكرها الله عز وجل، فذكر الختم، قال تعالى: {خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ} [البقرة:٧].
وذكر الله عز وجل الأكنة، قال تعالى: {وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ} [الأنعام:٢٥].
وذكر الله عز وجل الغطاء، قال تعالى: {الَّذِينَ كَانَتْ أَعْيُنُهُمْ فِي غِطَاءٍ عَنْ ذِكْرِي وَكَانُوا لا يَسْتَطِيعُونَ سَمْعًا} [الكهف:١٠١].
وذكر الله الغلاف، فقال تعالى: {وَقَالُوا قُلُوبُنَا غُلْفٌ} [البقرة:٨٨].
وذكر الله عز وجل الحجاب، قال تعالى: {وَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ حِجَابًا مَسْتُورًا} [الإسراء:٤٥].
وذكر الله عز وجل الوقر والغشاوة والران، قال تعالى: {كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} [المطففين:١٤].
وذكر الله الغل، قال تعالى: {لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلَى أَكْثَرِهِمْ فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ * إِنَّا جَعَلْنَا فِي أَعْنَاقِهِمْ} [يس:٧ - ٨] أي: في قلوبهم أغلالاً.
وذكر الله عز وجل السد، قال تعالى: {وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا} [يس:٩].
وذكر القفل على القلب، قال تعالى: {أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا} [محمد:٢٤].
وذكر الصمم والبكم والعمى، قال تعالى: {فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ} [الحج:٤٦].
وذكر الصد والشد والإغفال، قال تعالى: {وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا} [الكهف:٢٨].
وذكر تقليب الأفئدة، قال تعالى: {وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ} [الأنعام:١١٠].
وذكر الحول بين المرء وقلبه، وذكر إزاغة القلوب، قال تعالى: {فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ} [الصف:٥].
وذكر الإركاس والتزيين، وإماتة القلب، وجعل القلب قاسياً، فهذه ثلاثون مرضاً، فممكن أن يكون القلب منكساً، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يأتي زمان على الناس يصبح المعروف فيه منكراً، والمنكر فيه معروفاً)، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (يأتي على الناس زمان يصدق فيه الكاذب، ويكذب فيه الصادق، ويؤتمن فيه الخائن، ويخون فيه الأمين، وينطق فيه الرويبضة).