للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[نفحات من نعيم الجنة]

فلو أنك مررت على قصر لرجل عظيم من أبناء الدنيا، وزرع حول هذا القصر ريحاناً ونباتاً طيباً، فإنك تشم رائحة هذا القصر على مسافة كيلو متر أو نصف كيلو متر، ولكن الجنة رائحتها كما جاء في الحديث الصحيح تشم من مسيرة خمسمائة عام.

فما ظنك بالعطر في نواحيها وبالطيب في أرجائها، قال الله تبارك وتعالى: {وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ} [محمد:٦] قال ابن عباس: عرفها لهم أي: طيبها لهم، والعرف: هو الطيب.

هذه الجنة عرضها كعرض السماء والأرض، فلو كنت بعيداً عن الديار ومعك العنوان ورقم الشارع، وقد تضل الطريق، فما ظنك بجنة عرضها السماوات والأرض؟ ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (والذي نفسي بيده! لأحدهم أعرف بقصره من منزله في دار الدنيا).

بل إن هذه الدار تقرب كرامة لصاحبها على الله عز وجل، يقول تعالى: {وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ} [ق:٣١] يعني: قربت.

قال الله عز وجل: {وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ * أُوْلَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ} [الواقعة:١٠ - ١١] ولم يقل هنا: أولئك المتقربون، وإنما قال: {أُوْلَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ} [الواقعة:١١] أي: المحمولون على العناية والرعاية الكاملتين.

الجنة دار الطيبين، نعيم لا ينفد، ولا عهد للناس به في دار الدنيا، فلو أن واحداً فرش بيته ورفع الحصير وجاء بالسجاد الإيراني، فإنه نعيم صامت لا يتكلم، ولكن المولى عز وجل يزين الجنة ثم يأمرها أن تتكلم فتقول: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ} [المؤمنون:١].

وإن من نعيم الجنة الذي يتكلم أن تمر سحابة فتقول: ماذا أمطركم؟ يقول يحيى بن أبي كثير: أشهد الله أن لو أراني هذا الموقف لأمرت السحابة أن تمطر علينا حور عين.

وإذا عاب الناس قول من قال: اللهم ما عبدتك رغبةً في جنتك، وهذا القول قول منسوب إلى رابعة، وهو غير صحيح، لأن الكاملة من النساء آسية زوج فرعون طلبت الجنة، فكيف لا تطلبها رابعة وهي أقل قدراً منها؟ قال تعالى: {قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ} [التحريم:١١].

والله عز وجل لا يرى إلا في الجنة فكيف لا تطلبها رابعة وقد طلبها من هو أكمل منها وأفضل؟