للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الجمع بين الأدلة النافية للشفاعة والأدلة المثبتة]

وهناك آيات نفت الشفاعة والشفيع، وهناك آيات أثبتت الشفاعة والشفيع، فكيف نجمع بينها؟ فمن الآيات الواردة في نفي الشفاعة قول الله تبارك وتعالى: {وَاتَّقُوا يَوْمًا لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا وَلا يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ وَلا يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلا هُمْ يُنصَرُونَ} [البقرة:٤٨].

ويقول الله تبارك وتعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا بَيْعٌ فِيهِ وَلا خُلَّةٌ وَلا شَفَاعَةٌ وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ} [البقرة:٢٥٤].

وقال تعالى: {أَأَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ آلِهَةً إِنْ يُرِدْنِ الرَّحْمَنُ بِضُرٍّ لا تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا وَلا يُنقِذُونِ} [يس:٢٣].

هذه ثلاث آيات في نفي الشفاعة.

وهناك آيات في نفي الشفيع، يقول الله تبارك وتعالى: {وَأَنذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْ يُحْشَرُوا إِلَى رَبِّهِمْ لَيْسَ لَهُمْ مِنْ دُونِهِ وَلِيٌّ وَلا شَفِيعٌ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ} [الأنعام:٥١].

وقال تعالى: {وَذَرِ الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَعِبًا وَلَهْوًا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَذَكِّرْ بِهِ أَنْ تُبْسَلَ نَفْسٌ بِمَا كَسَبَتْ لَيْسَ لَهَا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيٌّ وَلا شَفِيعٌ} [الأنعام:٧٠].

ويقول الله تبارك وتعالى: {وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لا يَعْلَمُ فِي السَّمَوَاتِ وَلا فِي الأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} [يونس:١٨].

وقال تعالى أيضاً: {فَمَا لَنَا مِنْ شَافِعِينَ} [الشعراء:١٠٠] فهذه الآيات تنفي الشفيع.

وهناك آيات تثبت الشفاعة والشفيع، يقول الله تبارك وتعالى: {مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ} [البقرة:٢٥٥]، فيكون هناك شفاعة بعد إذن الله تبارك وتعالى.

ويقول الله تبارك وتعالى: {يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى} [الأنبياء:٢٨].

أما الآيات الواردة لإثبات الشفيع فمنها قول الله تبارك وتعالى: {يَوْمَئِذٍ لا تَنفَعُ الشَّفَاعَةُ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلًا} [طه:١٠٩].

إذاً: فكيف تجمع بين آيات تثبت الشفاعة وآيات تنفي الشفاعة؟ يقول الله تبارك وتعالى أيضاً: {وَلا يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الشَّفَاعَةَ إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [الزخرف:٨٦]، (إلا) هنا استثناء ناقص أي: الذين يعبدون الأوثان لا يملكون الشفاعة، لكن يملكها الذين يشهدون بالحق.

مثال للاستثناء الناقص: قوله تعالى: {لا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلا تَأْثِيمًا * إِلَّا قِيلًا سَلامًا سَلامًا} [الواقعة:٢٥ - ٢٦] يعني: لا يسمعون كلام اللغو والإثم، وإنما قول: (سلاماً).

فنقول: الجمع بين الآيات المثبتة للشفاعة والآيات النافية للشفاعة: أن الآيات النافية للشفاعة المقصود بها نفي الشفاعة التي تطلب من غير الله ابتداءً؛ لقول الله تبارك وتعالى: {قُلْ لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعًا} [الزمر:٤٤].

والآيات التي تثبت الشفاعة نجمع بينها وبين الآيات النافية: أن هناك إثباتاً للشفاعة بشروط وهي: أولاً: قدرة الشافع على الشفاعة، يعني: فلا يستشفع الشخص بأموات لطلب مسألة من مسائل الدنيا! يقول الله تبارك وتعالى: {قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ لا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَوَاتِ وَلا فِي الأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ} [سبأ:٢٢] يعني: لا يوجد شخص يقول لك: أنا أذهب إلى قبر البدوي وأقول له: اشفع لابني يدخل (بكالوريوس) وينجح في دراسة (البكالوريوس) مجال الطب، هذه لا يملكها.

الشرط الثاني: إسلام المشفوع له، ويستثنى من ذلك عم رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو طالب.

يقول المولى تبارك وتعالى: {مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلا شَفِيعٍ يُطَاعُ} [غافر:١٨].

أهل التكفير والهجرة يقولون: هذه الآية تنفي الشفاعة لأن الظالم هو مرتكب الكبائر، فدلت الآية على نفي الشفاعة.

نقول: قال علماء التفسير: الظالمون هنا المقصود بهم الكافرون، قال هذا الحافظ ابن كثير، وقال هذا أيضاً الإمام البيهقي.

قال البيهقي: الظالمون ها هنا هم الكافرون، يشهد لذلك مفتتح الآية، إذ هي في ذكر الكافرين، ويقول الإمام ابن كثير: أي: ليس للذين ظلموا أنفسهم بالشرك بالله من قريب منهم ينفعهم، ولا شفيع يشفع لهم {مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلا شَفِيعٍ يُطَاعُ} [غافر:١٨] أي: ما للكافرين من حميم ولا شفيع يطاع، يستثنى من ذلك أبو طالب، فالرسول صلى الله عليه وسلم يشفع له يوم القيامة؛ فيجعل في ضحضاح من نار يبلغ إلى كعبيه، وتوضع الجمرة في أخمص قدمه يغلي منها دماغه، فنفعته شفاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

الشرط الثالث: الإذن للشافع: {مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ} [البقرة:٢٥٥] ولذلك يقول المولى عز وجل لرسوله صلى الله عليه وسلم: (ارفع رأسك، واشفع تشفع) وذلك حين يأتي للشفاعة العظمى يسجد تحت العرش.

الشرط الرابع: الرضا عن المشفوع له، قال تعالى: {وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَوَاتِ لا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى} [النجم:٢٦] أي: ويرضى عن المشفوع له.

هناك بعض الأحاديث الضعيفة والموضوعة في نفي الشفاعة، ومن الأحاديث التي وضعتها فرقة المعتزلة ونسبتها إلى الرسول صلى الله عليه وسلم: (ليست شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي)، هذا الحديث لا أصل له، كما ورد في كتاب: أسمى المطالب.

وأيضاً هناك حديث وضعته الشيعة: (ثلاثة أنا شفيع لهم يوم القيامة: الضارب بسيفه أمام ذريتي، والقاضي لهم حوائجهم عندما اضطروا إلي، والمحب لهم بقلبه ولسانه).