[رقابة الله على عباده توجب الحياء منه سبحانه]
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وسلم، وبعد: أخي! اجعل مراقبتك لمن لا تغيب عن نظره، واجعل شكرك لمن لا تنقطع نعمه عنك، واجعل طاعتك لمن لا تستغني عنه، وخضوعك لمن لا تخرج عن ملكه وسلطانه.
فالحياء على قدر حياة القلب، وكلما كان القلب أحيا كان الحياء أتم.
وأشد آية باعثة على الحياء قول الله عز وجل: {أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى} [العلق:١٤].
وقول الله تبارك وتعالى: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ} [ق:١٦] أي: وملائكتنا أقرب إليه من حبل الوريد، وهذا بإجماع علماء التفسير.
ويقول الله عز وجل: {أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ} [الزخرف:٨٠].
ويقول الله عز وجل: {أَلا إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطٌ} [فصلت:٥٤].
وقال الله عز وجل: {وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ} [المجادلة:٦].
وقال الله عز وجل: {وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ رَقِيبًا} [الأحزاب:٥٢].
وقال الله عز وجل: {وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ} [الملك:١٣].
وقال الله عز وجل: {يَعْلَمُ خَائِنَةَ الأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ} [غافر:١٩].
ومن أسماء الله عز وجل الرقيب والعليم والخبير والحكيم والمحصي والشهيد، وكلها خاصة بعلم الله عز وجل.
فالعليم: الذي يعلم جميع المعلومات.
والحكيم: الذي يعلم دقائق العلم.
والشهيد: الذي يعلم ما غاب وما حضر، والمحصي: الذي لا تغيب عن علمه غائبة.
والخبير: الذي يعلم دقائق العلم، ويعلم الكليات كما يعلم الجزئيات، وكلها خاصة بصفة العلم لله تبارك وتعالى.
وعلم الله عز وجل ليس كعلم المخلوقين، فالله تبارك وتعالى يعلم ما كان وما هو كائن وما لم يكن لو كان كيف يكون.
وهو العليم أحاط علماً بالذي في الكون من سر ومن إعلان وكذاك يعلم ما يكون غداً وما قد كان والموجود في ذا الآن وكذاك أمر لم يكن لو كان كيـ ـف يكون ذا الأمر ذا إمكان فعلم المخلوقين قاصر، مبدوء بجهل ويعتريه النسيان، وأما علم الله عز وجل فهو علم كامل.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ثلاث من فعلهن فقد طعم بهن طعم الإيمان: من عبد الله وحده، وعلم أنه لا إله إلا هو، وأعطى زكاة ماله طيبة بها نفسه، ولم يعط الهرمة ولا الدرنة ولا المريضة ولا الشرط اللئيمة، ولكن من أواسط أموالكم، فإن الله لم يسألكم خيره ولم يأمركم بشره)، وزاد البيهقي في روايته التي صححها الشيخ الألباني قال: (وزكى نفسه، فقال رجل: وما زكى نفسه يا رسول الله؟! قال: أن يعلم أن الله عز وجل معه حيث كان).
وقال سيدنا عبد الله بن عمر: لا يجد عبد صريح الإيمان حتى يعلم أن الله عز وجل معه، ويعلم أن الله تعالى يراه، فلا يعمل سراً يفتضح به يوم القيامة.
والحياء رؤية آلاء الله تبارك وتعالى عليك، ورؤية التقصير منك في حق الله عز وجل، فيتولد منهما وبينهما خُلق يبعث على ترك القبيح.
فرؤية الآلاء والتقصير يتولد منهما خُلق يسمى الحياء، يبعث على ترك القبيح، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى إذا لم تستح فاصنع ما شئت).
وفي الرواية الأخرى: (آخر ما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى: إذا لم تستح فاصنع ما شئت).
وهذه الجملة: (إذا لم تستح فاصنع ما شئت) تندرج تحتها ملايين الأمثلة.
كريمان حمزة كانت مذيعة تلفزيونية، وكانت تقدم البرامج الدينية، ولخصت تجربتها مع التلفاز في كتاب سمته: لله يا زمن.
و (لله يا زمن) هو مثل، فقد كان رجل موسيقار يقف أمام كل بيت يعزف، فتخرج المرأة وتعطيه شيئاً، وفي يوم من الأيام وقف أمام جامع، وهو يظنه قصراً كبيراً لرجل غني، فقال: سأمكث هنا أعزف حتى الصباح، فمكث يعزف طول النهار فلم يعط شيئاً، فقال له شخص: ما هذا؟ قال: أليس هذا قصر كبير من الكبراء؟ قال له: يا عم! إن هذا مسجد! فقال: لله يا زمن، يعني: تعبه ذهب على قلة الصيد مثلما يقولون.
فهي تقول: إنها كانت تعد برنامجاً عن العشرة المبشرين بالجنة، فقال لها رئيس التلفاز السابق الذي ذهب إلى الحضيض: هذا البرنامج لن يمر إلا على جثتي إن مر.
ثم سألها: لماذا تعملين العشرة المبشرين بالجنة كلهم من الصحابة، اعملي خمسة من هنا وخمسة من العشرة، وقد كان هذا أيام عاطف صدقي رحمه الله رئيس الوزراء السابق، فسألنا: لماذا لا يكون وزير الإعلام منهم؟ بل إن هناك مصدراً صحفياً أبلغ الوزير أن العشرة هؤلاء كلهم كانوا من الإرهابيين المتطرفين؛ من أجل ألا تصل هذه المعلومات إلى الناس، وقد سجلت هذا بخطها في كتابها: لله يا زمن.
قال صلى الله عليه وسلم: (إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى: إذا لم تستح فاصنع ما شئت)، وهذا مثلما يقول بعض الناس: إن اليهود أبناء عمومته، في حين أن هؤلاء اليهود جاءوا من الاتحاد السوفيتي، ومن الحبشة، وهم ليسوا من بني إسرائيل، وقد كانوا يقولون: إن لنا حقاً تاريخياً في القدس، فإذا سئلوا: لماذا؟ قالوا: نحن بنو إسرائيل -أي يعقوب- وبنو يعقوب قد انقرضوا، أما هؤلاء اليهود فنصفهم أو ثلاثة أرباعهم جاءوا من الاتحاد السوفيتي، ومنهم من أتى من أواسط أفريقيا وأوربا، وليس هناك أي صلة تجمع بينهم وبين نبي الله يعقوب، فهؤلاء ليسوا بني إسرائيل من الناحية التاريخية.
وأما من الناحية الدينية: فيعقوب بريء منهم، فقد قالوا عنه ما قالوا، قالوا: إن يعقوب سرق مواشي حميه وهرب بها ليلاً.
وقالوا: إن رهابيل بن يعقوب الأكبر زنى بامرأة أبيه، وإن يعقوب علم بذلك وسكت.
وقالوا: إن يهوذا بن يعقوب زنى بامرأة ابنه بعد موته، يعني: جعلوا من بيت يعقوب نبي الله بيت دعارة وزنا بالمحارم! ونحن أولى بيعقوب منهم، قال تعالى: {مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلا نَصْرَانِيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [آل عمران:٦٧].
فسيدنا يعقوب وذريته من بعده مسلمون خلص، وهم أبعد الناس عن يهود هذا الزمان.
وأجمع علماء المسلمين على أن اليهود والنصارى الآن كافرون مشركون، وهذا هو القول الفصل، وفي سورة النساء في الآية مائة وواحد وخمسين حكم فاصل في هذه المسألة ونص واضح صريح جلي.