وحياء المرء من نفسه، فالرجل الشريف القدر العظيم النفس يجعل من نفسه نفسين: نفساً تفعل الشيء، ونفساً تحاسبها وتعاتبها وتراقبها: كأن رقيباً منك يرعى خواطري وآخر يرعى مهجتي وجناني فاجعل من نفسك رقيباً على نفسك، وقل لها: قومي يا مأوى كل سوء! وهل رضيتك لله طرفة عين؛ فاجعل من نفسك على نفسك مخبراً ورقيباً، وراقب الله عز وجل، مثل عمرو بن عبد قيس كان ينام في البرية، فقيل له: أما تخشى الأفعى وأنت نائم في الفلاة هكذا؟ قال: إني أستحي من الله أن أخشى شيئاً غيره وأنا في سلطانه، أي: هذا سلطان الله وملكه، وأنا عبده، والمخلوق لا يملك له ضراً ولا نفعاً.
ومثل عمرو بن عتبة بن فرقد كان يقوم الليل وهو في الجيش فلا يتحارس الجيش؛ لكثرة صلاة عمرو بن عتبة بالليل، فجاء السبع مرة فولى الجيش إلا عمرو فلم ينصرف من صلاته، فلما صلى قال للسبع: انصرف، فقالوا له: أما خفت الأسد؟ قال: إني أستحيي من الله عز وجل أن أخشى شيئاً غيره وأنا بين يديه.
وسقطت حديدة عند مسجد العزيز في جمعة الشيخ محمد حسان، وهذه الجمعة يحضرها اثنا عشر ألفاً أو عشرون ألفاً، فعندما سقطت ظنوا أنها قنبلة، فصاح الذين في المسجد وخرجوا منه، وسقطت الموبايلات، والمحافظ، وجرى من جرى وهرب من هرب، وخرج البعض من المسجد وطلب ماكنة حلاقة من أجل أن يتخلص من لحيته حتى لا يتهم، والشيخ محمد واقف يتعجب منهم، أهؤلاء خلاصة الخلاصة؟ فإذا كان حال هؤلاء هكذا فكيف بغيرهم؟! فالعملية تريد مراجعة كبيرة جداً، والإخوة الذين حضروا هذا لن ينسوه أبداً، والإخوة هم الذين صاحوا وهربوا، وأما الأخوات فلا أخت صاحت، فكانت النساء في هذا الموقف أشجع، وأما الرجال فخمس دقائق ولم يبق منهم أحد.
كان أبو الحسن بنان الحمال شيخ الإسلام عابداً، ذهب إلى ملك مصر أحمد بن طولون فأمره ونهاه، فجوع سبعاً وألقاه إليه، وبعد أيام فتحوا عليه فوجدوا السبع بجانبه يشمه، فقالوا له: أين كان قلبك والسبع يشمك؟ فقال: كنت أفكر في اختلاف العلماء في سؤر السباع، أهو نجس أو طاهر؟ وقد ينكر بعض الناس مثل هذه الحكايات؛ لأنها متعلقة بالأسود، والأسود جبلت على الوحشية، ولكن نقول: هي ثابتة مذكورة في تواريخ الإسلام، مثل: سير أعلام النبلاء للإمام الذهبي، ولها أثر من السلف عن سيدنا سفينة مولى النبي صلى الله عليه وسلم وخادمه.
وقد حسن الإمام الألباني عليه رحمة الله حديث جابر بن عبد الله من رواية محمد بن المنكدر: أن سفينة مولى النبي صلى الله عليه وسلم وقع في الأسر، ففر من الأسر، فبينما هو في الطريق إذ طلع عليه الأسد فتقدم منه، وقال له: يا أبا الحارث! -كنية الأسد- أنا مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، كان من أمري كيت وكيت فحكى للأسد الذي حصل له من أنه وقع في أسر الروم وفر منهم، فبصبص الأسد، يعني: حرك ذنبه يميناً ويساراً احتراماً له، وكأنه يقول: أنا أمام رجل كبير القدر، وسار معه حتى أوصله إلى مأمنه.
فإذا علمت أن الله قريب منك مطلع عليك عالم بحالك وأنك في سلطانه فلا تخش شيئاً غيره.