إن للإيمان حلاوة وزينة ونعيماً ونوراً لا يدركها إلا من عايشها سلوكاً ومنهجاً، فمن عاشها سيدرك أن للإيمان حلاوة تباشرها القلوب أكثر من مباشرة اللسان لحلاوة الطعام الحسية، وهي ما عبر عنها الرسول صلى الله عليه وسلم مرة بالطعام، ومرة بالذوق، ومرة بحلاوة الإيمان؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(ذاق طعم الإيمان من رضي بالله رباً، وبالإسلام ديناً، وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبياً ورسولاً)، وهو من حديث العباس بن عبد المطلب.
وروى الإمامان البخاري ومسلم من حديث أنس قال صلى الله عليه وسلم:(ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود في الكفر بعد أن أنقذه الله منه كما يكره أن يقذف في النار).
كما أن للإيمان زينة وحلة يرتديها المؤمنون، ولذا كان دعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم:(اللهم زينا بزينة الإيمان، واجعلنا هداة مهتدين)، وهذه الزينة إذا كست القلب بدت آثارها على الجسد والجوارح، قال تعالى:{وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ}[الأعراف:٢٦].
ومما لابد أن يعلم أن للقلب نعيماً مثل نعيم الأبدان، وهو الذي عبر عنه النبي صلى الله عليه وسلم بقرة العين، قال الإمام ابن القيم في كتابه (إغاثة اللهفان): قوله: (وأسألك نعيماً) هذا نعيم الأبدان، ثم قال:(وقرة عين لا تنقطع)، هذا نعيم القلوب.
إن أجمل شيء يلقاه العبد في دار الدنيا هو لذة الأنس بالله عز وجل، والمعرفة بالله عز وجل، والفرار منه إليه، وهو يقابل لذة النظر إلى وجه الله الكريم في الدار الآخرة، ولذلك يقول النبي صلى الله عليه وسلم:(وأسألك برد العيش بعد الموت، وأسألك الشوق إلى لقائك في غير ضراء مضرة ولا فتنة مضلة، وأسألك لذة النظر إلى وجهك الكريم)، فجمع بين لذة الدنيا ولذة الآخرة، فوالله ما طابت الدنيا إلا بذكره، وما طابت الآخرة إلا برؤيته.
مساكين أهل الدنيا خرجوا من الدنيا وما ذاقوا أجمل ما فيها؛ المعرفة بالله عز وجل، والأنس به، والمحبة له.
يقول يحيى بن معاذ الرازي: من سر بخدمة الله عز وجل سرت بخدمته الأشياء، ومن قرت عينه بالله عز وجل قرت به كل عين.