[تابع معاني الرحمة]
والنصر رحمة، قال الله عز وجل: {إِنْ أَرَادَ بِكُمْ سُوءًا أَوْ أَرَادَ بِكُمْ رَحْمَةً} [الأحزاب:١٧]، كما جاء في سورة الأحزاب.
فالنصر رحمة والهزيمة ذل ودمار وعار وشنار، انظر إلى الجندي المسلم حين يقع أسيراً في يد الرجل التتري فيقول له التتري: امكث ههنا حتى آتيك بحجر لأقتلك به، وكثير منا شاهد الجندي العراقي وهو يقبل قدم الجندي الأمريكي في حرب الخليج في عاصفة الصحراء حتى لا يقتله، وتتناقلها وكالات الأنباء.
يا شام أين هما عينا معاوية وأين من زاحموا بالمركب الشهبا فقبر خالد في حمص نلامسه فيرجف القبر من زواره غضبا فرب حي تراب القبر مسكنه ورب ميت على أقدامه انتصبا ورقة القلب رحمة، قال الله عز وجل: {وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً} [الحديد:٢٧]، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا أردت أن يلين قلبك وتدرك حاجتك، امسح رأس اليتيم وادنه منك وأطعمه من طعامك واسقه من شرابك).
والمنة رحمة، قال الله عز وجل: {وَمَا كُنتَ بِجَانِبِ الطُّورِ إِذْ نَادَيْنَا وَلَكِنْ رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ} [القصص:٤٦].
ومغفرة الذنوب رحمة، قال الله تبارك وتعالى: {كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ} [الأنعام:٥٤].
والسعة في الأمور الشرعية والأحكام الفقهية رحمة، قال الله تبارك وتعالى: {ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ} [البقرة:١٧٨].
والمودة رحمة، قال الله تبارك وتعالى: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُم} [الفتح:٢٩]، لا تكتمل الصحبة حتى تقول لأخيك: يا أنا.
يا من تنهش في أحشائي! يا من أنت جزء من أجزائي! يا من تبدو للجهال كأنك دائي! إني أعلم أنك حتماً فيك شفائي قل لي: هل يأتيك ندائي؟ إنك مني أنت كأني لست أرائي أنت كأني حين شقائي حين جهلت طريق إلهي من عند الألف إلى الياء حين تصورت الدنيا حسي وغذائي وكسائي إنك مسلم تشهد أن إلهك واحد إنك فيها من شركائي لكنك دوماً تطعنني من خلفي في كعب حذائي حين أراك تقوم بهذا يغرقني خجلي وحيائي ووشاة القوم إذا بانوا تشري الطعنة في أحشائي قل لي هل يأتيك ندائي؟ العزة عند إلهي ليس العز دمي وبكائي وغداً من قواك يميتك إن أنت أهملت ندائي والعصمة من الذنوب رحمة، قال الله تبارك وتعالى: {إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي} [يوسف:٥٣].
وطول العمر رحمة، قال الله تبارك وتعالى: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَهْلَكَنِيَ اللَّهُ وَمَنْ مَعِيَ أَوْ رَحِمَنَا} [الملك:٢٨]، يعني: مد في آجالنا وأطال أعمارنا.
وقال الله تبارك وتعالى: {وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً} [الروم:٢١]، بعض العلماء قال: الرحمة هنا: هي الولد، فهذه هي المعاني التي ذكرت فيها الرحمة في القرآن الكريم.
ومن أسماء الله عز وجل: {الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} [الفاتحة:٣]، وهما اسمان مشتقان من الرحمة، والرحمن خاص بالله لا يسمى به غيره، ورحمن أبلغ من رحيم، والرحيم يوصف به غير الله عز وجل، فيقال: رجل رحيم، ولا يقال: رحمن، والرحمة من صفات الذات لله تبارك وتعالى، والرحمن: ذو الرحمة الشاملة للخلق، والرحيم خاص بالمؤمنين.
يقول العلامة ابن القيم: من رحمته سبحانه ابتلاء الخلق بالأوامر والنواهي، رحمة لهم وحمية، لا حاجة منه إليهم بما أمرهم به، ومن رحمته أن نغص عليهم الدنيا وكدرها لئلا يسكنوا إليها، ولا يطمئنوا إليها ويرغبوا عن النعيم المقيم في داره وجواره، فساقهم إليها بسياق الابتلاء والامتحان، فمنعهم ليعطيهم وابتلاهم ليعافيهم، وأماتهم ليحييهم، ومن رحمته بهم أن حذرهم نفسه لئلا يغتروا به فيعاملوه بما لا تحسن معاملته به، ومن رحمته أن أنزل لهم كتباً وأرسل إليهم الرسل، ولكن الناس افترقوا إلى فريقين: فأما المؤمنون فقد اتصل الهدى في حقهم بالرحمة، فصار القرآن لهم هدى ورحمة، وأما الكافرون فلم يتصل الهدى بالرحمة، فصار القرآن لهم هدى بلا رحمة، وهذه الرحمة المقترنة بالهدى في حق المؤمنين رحمة عاجلة وآجلة.
فأما العاجلة فبما يعطيهم الله تبارك وتعالى من ذوق طعم الإيمان ومحبة الخير والبر ووجدان حلاوة الإيمان.
وأما الرحمة الآجلة فهي سكناهم في جواره وفي دار رحمته، ومن عظم الرحمة عند الله تبارك وتعالى أن الله كتب كتابها بيده فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الله كتب بنفسه يوم خلق السماوات والأرض كتاباً فهو عنده فوق العرش: إن رحمتي سبقت غضبي).