وهذا عمرو بن عتبة بن فرقد إذا كان في الجيش لم يكن أحد من الجيش يحرس؛ لكثرة صلاة عمرو، وبينما هو قائم في الليل أتى السبع ففر الجيش ولم يفر هو، قالوا: فوالله ما انفلت من صلاته، ثم لما سألوه: أما خفت السبع؟ قال: إني أستحي من الله عز وجل أن أخشى شيئاً غيره.
وهذا ثابت عنه، ثم مات شهيداً.
وذات يوم لبس جبة بيضاء فقال: ما أحلى هذه الجبة وتحدر الدم عليها! ومر ببستان قد أينع ثمره وزهره فقال: ما أجمل هذا الوادي! وأجمل منه لو أن رجلاً صاح: يا خيل الله اركبي! فوالله ما أتم كلمته حتى سمع داعي الجهاد، فكان في طليعة القوم، وأصيب في نفس المكان الذي أشار إليه على الجبة، وتحدر الدم على المكان الذي أشار إليه، ولكن الجرح كان بسيطاً، فجعل يداعب جرحه ويقول: إنك لصغير، وقد يبارك الله في الصغير فيصبح كبيراً.
وثبت في كتاب (بذل الماعون في فضل الطاعون) أن معاذ بن جبل رفع يده إلى السماء لما أصيب بالطاعون وقال: اللهم وفر لأهل معاذ نصيبهم من رحمتك، فأصيب ابنه عبد الرحمن، فقيل له: كيف تجده؟ فقال:{الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ}[البقرة:١٤٧].
ثم بعد ذلك أصيب هو في إبهامه، فقال: إنك لصغير وقد يبارك الله في الصغير.
فمات عمرو بن عتبة من جرحه الذي ظل يداعبه ويهدهده، بعد أن كبر الجرح الصغير، وعند غروب الشمس خرجت روحه إلى الله تبارك وتعالى وكان صائماً.