[بيان نسبة العقل للشرع وتفاوت العقول وحاجتها إلى الشرع]
قال العلماء: إن العقل مع الشرع كالعامي مع المفتي، فالعقل يوصلك إلى باب الملك، ويعلمك أن للكون إلاهاً عظيماً، والعقول لا تسلم إلا للأعقل والأكمل، ولا أعقل من عقل الرسل، فالله عز وجل اختارهم همزة الوصل بين السماء والأرض، وقد وعوا تكاليف الشرع والوحي، ووعوا ما في الملكوت ولم تغب عقولهم لحظة واحدة.
فأين هؤلاء الفلاسفة من أنبياء الله عز وجل ومن خواص رسله؟ وأي عقل يحكمونه في دين الله عز وجل؟ فأهل الاعتزال قدموا العقل على النقل، بل إن الأشاعرة وهم مخنثة المعتزلة قالوا: إن أصول الكفر ستة أشياء، وذكروا أن الأصل السادس من أصول الكفر: هو الأخذ بظاهر النصوص، يعني: لو أنك أخذت بالظاهر الذي يفهمه الناس من الكتاب والسنة ولم تتأوله أو تحرفه فهذا أصل من أصول الكفر عند الأشاعرة.
وأي عقل نحكمه في نصوص الوحي إذا كانت العقول مختلفة؟ فالعقول عند المصريين تختلف عن عقول الهنود والصينيين، فأي عقل نحكمه في دين الله عز وجل وفي شرعه؟ إن العقول هدت الهنود إلى عبادة البقر، وغيرهم ينكر هذا سواء من المصريين أو غيرهم، فلا أحد يقول: إنه يقدس البقرة، لكن أغندي وكان رجلاً عظيماً من عظماء دول عدم الانحياز يقول: إنني أجد نفسي وملايين الهنود نتوجه بالعبادة والإسلام لأمنا البقرة، فهذا شيء معقول عند أغندي أن يعبد البقرة، ويقول: فأمنا البقرة تعدل وتفضل أمنا الحقيقية بأسباب كثيرة.
بل إن عقول الهنود هدتهم إلى عبادة الفئران من دون الله عز وجل، وكما ذكر في مجلة العربي: أن هناك معبداً من الرخام الأبيض كلف أصحابه ملايين الجنيهات، بل المليارات، ويكفيك أن تعلم أن إله هذا المعبد نوع من الفئران البيضاء.
من أنت يا أرسطو! ومن أفلاطون قبلك يا مبلد! ومن ابن سينا حين قرر ما هديت له وأرشد هل أنتم إلا الفراش وقد رأى ناراً توهج فدنا فأحرق نفسه ولو اهتدى رشداً لأبعد فلتخسأ الحكماء عن رب له الأفلاك تسجد فأي عقل نحكمه في شرع الله عز وجل؟ أهو عقل الخواص من الفلاسفة والمثقفين أم عقل العوام؟ وهل نحكم العقل السلفي أم نحكم العقل الصوفي؟ وهل نحكم العقل الأصولي أم الفلسفي؟ وهل نأخذ بعقل المثاليين من الفلاسفة أم بعقل الواقعيين؟ وهل نأخذ بآراء الماديين من الفلاسفة أم بآراء الإلهيين؟ وهل نحكم عقول الأديان الخاملة أم عقول الأجيال الفاضلة كما قال أهل الفلسفة؟ وهل نأخذ بعقل المسلم المتميز بهويته الحر في تفكيره أم عقل المسلم المأزوم تحت ضغوط الحضارة المعاصرة بجبروتها؟ وهل نأخذ بالعقل الجاهلي أم بالعقل الإسلامي أو بالعقل الأوربي الجاهلي الذي استباح إلغاء الله عز وجل وعبد نفسه مكان العلي العظيم؟ فالعقل الأوربي الجاهلي استحسن اللواط، ونكاح الأمهات والبنات، والعقل العربي الجاهلي استباح وأد البنات، أم هل نحكم العقل الذي انحرف عن منهج الإسلام وعطل السنة، وهو عقل القرآنيين الذي استحسن إلغاء الإسراء والمعراج، بل واستحسن إلغاء كل المعجزات الحسية وأنكر الكثير من المغيبات كالجن والملائكة والدجال؟ إن العقل اليوناني في أيام الفلاسفة دافع عن البغاء الرسمي وعن حرفة المومسات والشذوذ الجنسي الذي ظهر في المجتمع الإغريقي في أيام فلاسفة اليونان، بل إن فلاسفتهم وأصحاب المنطق منهم كانوا يحبذون البغاء والشذوذ الرسميين، فهل نأخذ بهذه المقدمات الباطلة ونحكمها في دين الله ونفضلها حتى على النصوص المتواترة؟! يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: الرسل تخبر بمحارات العقول لا بمحالات العقول، أي: أن الوحي والشرع يخبران بالأشياء التي تحتار فيها العقول ولا تستطيع أن تكيفها، مثل قول النبي صلى الله عليه وسلم:(إن في الجنة شجرة تسمى شجرة طوبى يسير الراكب في ظلها مائة عام لا يقطعها)، فهذا فوق نطاق العقل.
فالشرع يأتي بمحارات العقول لا بمحالاتها.
يعني: إن العقول السليمة الصحيحة إذا حكمت باستحالة شيء فلا يأتي الشرع يقرره، والمعقولات الصحيحة لا يصادمها شرع صحيح.