الشفاعة العظمى هي طلب المغفرة لأًصحاب الكبائر من هذه الأمة
ومن أعظم المغفرة عند الله عز وجل: أن طلب المغفرة هي الشفاعة العظمى، وهي مقام نبينا المحمود، {وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا} [الإسراء:٧٩]، والمقام المحمود لم ينله أحد من البشر إلا نبينا.
إن مقام الشفاعة العظمى للخلائق بأسرهم هو مقام طلب المغفرة لأصحاب الكبائر من أمة رسول الله صلى الله عليه وسلم، بل هي الدعوة التي خبأها الرسول صلى الله عليه وسلم لأمته، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إن لكل نبي دعوة مستجابة، فتعجل كل نبي دعوته، وإني اختبأت دعوتي شفاعة لأمتي).
بل إن الله عز وجل يخيره بين أن يدخل شطر أمته الجنة وبين الشفاعة وطلب المغفرة للخلق، فيختار الشفاعة لأمته، وهذا يدل على عظم هذه الشفاعة، ومن هنا نعلم قول سيدنا عبد الله بن مسعود: وددت أن الله غفر لي ذنباً واحداً ولا يدرى لي نسب.
وسؤال المغفرة والعفو عن الذنوب هو: السؤال في أحلى ليالي العمر، فقد يهون العمر إلا ليلة القدر، فأعظم دعاء مأثور عن نبينا: (اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عنا)، وأجمل ما يقوله الإنسان في ليلة القدر سؤال المغفرة، بل يقول النبي صلى الله عليه وسلم لصديق هذه الأمة ولحبيبه: (سل الله العافية، ما من الله تبارك وتعالى على عبده بأكثر من سؤاله العافية، وبأكثر من أن يستجيب الله تبارك وتعالى له).
ودعوة الأنبياء كانت دعوة للتوحيد ولغفران الذنوب، يقول سيدنا نوح: {فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا * مَا لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا} [نوح:١٠ - ١٣] أي: ما لكم لا تعظمون الله وتخافون منه.
ويذكر أنه كان هناك امرأة عاقر عقيم لا تلد، فأخذت هذه الآية وجعلت تمسح بها على بطنها وتدعو الله عز وجل، وتستغفر من ذنبها، ثم من الله تبارك وتعالى عليها بأن حملت بعد أن احتار فيها الأطباء، {فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا * مَا لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا} [نوح:١٠ - ١٣].
إن انكسار القلب وخضوعه وذله واستسلامه بين يدي الله عز وجل، وخضوع الجوارح -كل ذلك لا يحصل إلا بذنب، ثم يتوب العبد منه، وأنين المستغفرين أحب إلى الله عز وجل من زجل المسبحين، تقابل المولى عز وجل بضعفك وذلك وفقرك وتقول: أسألك بغناك عني، وبفقري إليك، أسألك بعزك وذلي إلا رحمتني، هذه ناصية خاطئة كاذبة بين يديك، أسألك سؤال من رغم لك أنفه، وذلت لك جبهته إلا عفوت عني، ولذلك كان سيد الاستغفار كما جاء عن شداد بن أوس قال النبي صلى الله عليه وسلم: (سيد الاستغفار أن تقول: اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت خلقتني وأنا عبدك، وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت، أعوذ بك من شر ما صنعت، أبوء لك بنعمتك علي وأبوء بذنبي، فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت).
هذا الدعاء كان سيد الاستغفار لأنك تسير إلى الله عز وجل بين مشاهدتك لنعم الله عز وجل عليك، وبين ذكرك لعيوب نفسك، فانظر إلى ربك نظرة، ثم انظر إلى نفسك الحقيرة اللوامة نظرة، فستعود إلى الله عز وجل قائلاً (اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت خلقتني وأنا عبدك، وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت، أعوذ بك من شر ما صنعت، أبوء لك بنعمتك علي، وأبوء بذنبي)، فقد خلوت بمحارم الله عز وجل ولم ترك إلا عين الله عز وجل، ثم أقدمت على المعصية وجعلت الله أهون الناظرين إليك.
إذا ما قال لي ربي أما استحييت تعصيني وتخفي الذنب من خلقي وبالعصيان تأتيني فما قولي له لما يعاتبني ويقصيني إذا ارتكبت ذنباً واحداً فاعلم أن الله مطلع عليك، وهو يراقبك من فوق سبع سموات، يقول بلال بن سعد: لا تنظر إلى صغر الخطيئة ولكن انظر إلا كبرياء من واجهته بها.
يا رب أتراك تغفر وترحم من لم تقر عيناه بالمعاصي حتى علم أن لا عين تراه غيرك، قدر قيمة هذا الجناب العظيم، وابك بكاء الندم على ما فاتك من طاعة الله عز وجل.
ابن سنة كان تائباً، فلما حسب سنين عمره وجدها إحدى وستين سنة، وعدد أيامها عشرون ألف يوم، فقال: إن كان هذا عدد الأيام فكيف وفي كل لحظة ذنب، كيف تلقى الملك، ثم مات الرجل من ساعته.