إن الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله تعالى فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وأحسن الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار، وإن ما قل وكفى خير مما كثر وألهى، إن ما توعدون لآتٍ وما أنتم بمعجزين.
ثم أما بعد: هذه الأمة العظيمة -أمة رسول الله صلى الله عليه وسلم- لها من الخصائص ما يجعل ريح الإيمان تهب عليها دائماً، وربيع القلوب والأرواح يروحها أبداً، فتأتي منها الأعاجيب في دنيا الواقع، خليتها لا تزال تعسب، وشجرتها لا تزال تثمر، ولن تستطيع أمة أن تقوم مقامها، أو أن تؤدي دورها، فشرارة الحياة والطموح كامنة أبداً في رمادها، فلا يزال فيها رجال تتجافى جنوبهم عن المضاجع، وتسيل دموعهم على خدودهم سحراً، وعند هذه الأمة اليد البيضاء التي تشرق لها الظلمات، ويضيء لها العالم، وقوارع هذا العصر وهزئه سيقض مضجعها ويوقظها، ويوجهها إلى شريعة رسولها صلى الله عليه وسلم.
وقد يقول قائل: دعني من قولك، وقل لي: أين هذه الأمة وواقعها في الحضيض؟ فأقول: عروس جللت بثياب حزن وطاف بها على الشارين عبد مراكبها تسير في بحار ولا هدف على الشطآن يبدو أين هذه الأمة؟ قد يقول قائل: لقد ماتت! فصِحْ على القبر هذه أمة رحلت لم يبق من ذكرها شأن ولا أثر نساء فلسطين تكحلن بالأسى وفي بيت لحم قاصرات وقصر وليمون يافا يابس في حقوله وهل شجر في قبضة الظلم يثمر رفيق صلاح الدين هل لك عودة فإن جيوش الروم تنهى وتأمر يرافقنا في اليوم بليون كافر ففي الشرق هولاكو وفي الغرب قيصر حصانك في سيناء يشرب دمعه وجندك في حطين صلوا وكبروا وتبكيك من شوق مآذن مكة وتبكيك بدرٌ يا حبيبي وخيبر وتأبى جراحي أن تضم شفاهها كأن جراح الحب لا تتخثر هذه الأمة أمة عظيمة رغم الوحل الذي تعيش فيه، ورغم واقعها المر، إلا أننا نقول للناس: لا تهيئ كفني يا عاذلي فأنا لي مع الفجر مواثيق وعهد إنا في ضمير الكون محفور محيانا وإن نشيدنا يسري ضياء الشمس نشوانا وما علموا بأن شهادة التوحيد في الأكوان قدسية وأن رطوبة التوحيد في فمنا مؤيدة بنصر الله محمية فتعال إلى خصائص هذه الأمة، ومتى علمت هذه الخصائص فقم من سباتك ونومك وغفلتك وادع الله عز وجل أن يوقظ النائمين.