قال تعالى:{لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى}[النجم:١٨].
هذا الأدب لا تستفيده من كتاب، وإنما يستفاد بمجالسة أهل العلم والورع، إن شيخك من حدثك بلحظه لا من حدثك بلفظه، وأقسم بالله -وأنا غير حانث- أنك لو مكثت مثلاً شهراً كاملاً مع الكتب لم تنفعك مثل جلوسك بين يدي الشيخ محمد بن إسماعيل في بيته جلسة عادية لمدة ساعة؛ فصمت الرجل وورعه ووقاره وخوفه وسمته يكفيك، ومن لا ينتفع بسمت العالم لا ينتفع بعلمه:{مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى * لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى}[النجم:١٧ - ١٨].
قال ابن الجوزي: لقد رأى من آيات ربه العظام، ما الذي رآه النبي صلى الله عليه وسلم؟ قال ابن مسعود: رأى رفرفاً أخضر من الجنة قد سد الأفق.
والرفرف: هي زوائد البسط، قال تعالى:{رَفْرَفٍ خُضْرٍ وَعَبْقَرِيٍّ حِسَانٍ}[الرحمن:٧٦].
فكيف بالسرير الذي عليه هذا الرفرف، قال الله تبارك وتعالى:{بَطَائِنُهَا مِنْ إِسْتَبْرَقٍ}[الرحمن:٥٤] بطانة الفرش والأسرة من إستبرق، وهو الحرير السميك.
أما ظواهرها فقد قال الثوري أو غيره: من نور جامد، أو من نور يتلألأ.
هل سمعت بنور جامد؟! نسأل من الله أن يجلسنا على هذه الأسرة، ويبقي لنا العقل بعد ذلك.
قد تعجب لو جلست على سرير من أسرة الدنيا مزيناً مبهرجاً بألوان البهارج، فما ظنك بأسرة الجنة؟ وعلو السرير ارتفاع مسيرة سبعين سنة، حتى تشرف على أعلى ملكك كما قال سفيان الثوري، ثم ينخفض بك متى أردت، هل يباع هذا بمال؟ أم بجيفة طلابها كلاب؟ إنما خلقنا لنحيا مع الخالق في دار غرس الرحمن غراسها بيده.
القول الثاني: أنه رأى جبريل في صورته التي يكون عليها في السماوات، يعني: في خلقته الطبيعية، وهذا قاله عبد الرحمن بن زيد بن أسلم، وقال ابن جرير: رأى من أعلام ربه الأدلة الكبرى.