[أسماء مكة]
قوله تعالى: {لا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ} [البلد:١]: أقسم الله تبارك وتعالى بالبلد الحرام مكة، ومن أسماء مكة: البلد الحرام، والبلد الأمين، وأم القرى، يعني: أصل القرى، فكل القرى لها تبع وهي الأصل، وتسمى بكة بالباء؛ لأنها تدك أعناق الجبابرة، وتسمى بثاق أيضاً: له دفع الحديد إلى بثاق.
وتسمى معاداً قال تعالى: {إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ} [القصص:٨٥]، وتسمى كوثى، والبلدة، والبنية.
لو لم تكن خير البلاد على الثرى ما كان بيت الله فوق ترابها هي قلب هذي الأرض مقلة وجهها والصالحات عرفن من أهدابها فاكحل جفونك يا شريد بمائها أو شح ماء فاكتحل بترابها يعني: لو أن الرجل يكتحل بالتراب فتراب مكة أولى.
ويقول الشاعر أحمد شوقي: على كل أفق بالحجاز ملائك تزف تحايا الله والبركات لدى الباب جبريل الأمين براحه رسائل رحمانية النفحات وزمزم تجري بين عينيك أعيناً من الكوثر المعسول منفجرات ويقول الشاعر أيضاً: هنا النبوة تحيا في أماكنها والطيب يبلى ونوء الدهر تندرس هنا الصحابة من حول النبي رنا أبو هريرة يوم الحل والأنس هنا السماوات تبدو قرب طالبها هنا رحاب فضاء حين يلتمس يقف رسول الله صلى الله عليه وسلم في لحظة الهجرة على مكة فيقول: (والله إنك لأطيب بلاد الله وأحب بلاد الله إلى الله، ولولا أن قومك أخرجوني منك ما خرجت، أو ما سكنت غيرك)، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إن الله حرم مكة ولم يحرمها الناس)، ويقول المصطفى صلى الله عليه وسلم: (إن الله حرم مكة يوم خلق السماوات والأرض، فهي حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة، لا ينفر صيدها، ولا يعضد شوكها، ولا يختلى خلاها).
وقد يقول قائل: إن الله تبارك وتعالى حرم مكة يوم خلق السماوات والأرض ومع هذا قد يحدث قتل في مكة، فما معنى هذا التحريم؟
و
الجواب
أن التحريم ينقسم إلى قسمين: تحريم شرعي، وتحريم كوني، فالتحريم الكوني كقول الله تبارك وتعالى: {وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ مِنْ قَبْلُ} [القصص:١٢]، وقوله: {وَحَرَامٌ عَلَى قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا} [الأنبياء:٩٥].
والتحريم الشرعي: أن ينهى الله تبارك وتعالى عن شيء، ثم يفعله بعض عباده، مثلما يقول الله تبارك وتعالى: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ} [الإسراء:٢٣]، فهذا قضاء شرعي، وإلا لو كان قضاء كونياً لعبد الناس كلهم الله عز وجل، {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا} [الإسراء:٢٣] أي: قضى الله بالوالدين إحساناً، ولكن مع ذلك تجد أناساً يعقون آباءهم.
فهناك تحريم كوني وتحريم شرعي، وقضاء كوني وقضاء شرعي، وإذن كوني وإذن شرعي، وإرسال كوني وإرسال شرعي، وإرادة كونية وإرادة شرعية.
واسم الإشارة في قوله تعالى: ((لا أُقْسِمُ بِهَذَا البلد)) يأتي للتعظيم وللتنويه بشرف مكة.
وقوله تعالى: {وَأَنْتَ حِلٌّ بِهَذَا الْبَلَدِ} [البلد:٢]، ولم يقل: لا أقسم بهذا البلد وأنت حل به، وإنما قال: {وَأَنْتَ حِلٌّ بِهَذَا الْبَلَدِ}، فكرر ذكر (بهذا البلد) مرة ثانية ولم يأت بها مضمرة، ليدل ذلك على فضل مكة.