ولما علم الصالحون قصر العمر وحث الحادي سارعوا وطووا مراحل الليل مع النهار؛ اغتناماً للأوقات، فأصغ يا أخي! سمعك لنداء ربك، قال تعالى:{فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ}[الذاريات:٥٠]، وبادر قبل طي صحيفتك، واحسر عن رأسك قناع الغافلين، وشمر للسباق غداً، فإن الدنيا ميدان المتسابقين، واعلم أننا خلقنا لنحيا في دار غرس غراسها الرحمن بيده، وفي الصحيح الموقوف:(إن الله عز وجل غرس جنة عدن بيده)، فرحم الله قوماً علموا أن الرحمن غرس جنة عدن بيده، فاشتاقوا إلى الغارس واشتاقوا إلى المغروس.
فيا إخواتاه سيروا إلى ربكم سيراً جميلاً.
أيا صاح! هذا الركب قد سار مسرعاً ونحن قعود ما الذي أنت صانع أترضى بأن كنت المخلف بعده رهين الأماني والغرام ينازع على نفسه فليبك من كان باكياً أيذهب وقت وهو في اللهو ضائع فحيهلاً إن كنت ذا همة فقد حدا بك حادي الشوق يطوي المراحلا وقل لمنادي حبهم ورضاهم إذا ما دعا لبيك ألفاً كواملا ولا تنتظر بالسير رفقة قاعد ودعه فإن الشوق يكفيك حاملا قال صاحب كتاب حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح: إن أهل الجنة رفع لهم علم فشمروا إليه، ووضع لهم صراطها المستقيم فاستقاموا عليه، ورأوا أن من أعظم الغدر بيع ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر في أبد لا يزول ولا ينفذ، بعيش إنما هو كأضغاث أحلام، أو كطيف زار في المنام، مشوب بالكدر وممزوج بالغصص، إن أضحك قليلاً أبكى كثيراً، وإن سر يوماً أحزن شهوراً، آلامه تزيد على لذاته، وأحزانه أضعاف أضعاف مسراته، أوله مخاوف وآخره مهالك، أتبيع جنة عرضها الأرض والسماوات بسجن ضيق بين أرباب العاهات والبليات؟ أتبيع مساكن طيبة في جنات عدن تجري من تحتها الأنهار، بمساكن ضيقة آخرها الخراب والبوار؟ أتبيع الحور اللاتي خلقن أبكاراً {عُرُبًا أَتْرَابًا}[الواقعة:٣٧] كأنهن الياقوت والمرجان، بسيئات الأخلاق المشاقات أو المتخذات أخداناً.
وذكر العلامة ابن القيم: أن نساء الجنة خلقن من الزعفران.
دع المفرغات من ماء وطين واشغل هواك بحور عين وغفل أبو سليمان الداراني يوماً عن قيام الليل، فرأى فيما يرى النائم أن امرأة من أهل الجنة حوراء تقول له: أتنام والملك يقظان؟ بؤساً لعين آثرت لذة نوم على مناجاة الملك العلام، أتنام وأنا أربى في الخدور منذ آلاف الأعوام؟ ثم أنشدته شعراً حفظ منه: أتطلب مثلي وعني تنام ونوم المحبين عنا حرام لأنا خلقنا لكل امرئ كثير الصلاة كثير القيام