للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[مذهب أهل السنة في وقوع المعاصي من الأنبياء]

ومن قواعد أهل السنة والجماعة في العقيدة: جواز الصغيرة على الأنبياء بعد النبوة، ولكنهم إذا فعلوها أقلعوا عنها في الحال، وكان حالهم بعد التوبة أكمل من حالهم قبل التوبة.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية: هذا مذهب السلف لا يعرف لهم مذهب سواه.

فلا تجوز الكبيرة أو الكفر على الأنبياء بعد النبوة، ولكنهم تجوز عليهم الصغيرة، والفرق بينهم وبين البشر: أنهم إذا فعلوا الصغيرة تابوا منها في الحال وأقلعوا عنها، وكان حالهم بعد التوبة أكمل من حالهم قبل التوبة؛ لقول الله عز وجل: {وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى} [طه:١٢١]، والغواية لا تكون إلا عن معصية.

الفضيل بن عياض وهو من سادات أهل السنة والجماعة وكان سيدنا سفيان بن عيينة إذا لقيه يقبل رأسه ويده، وكان صاحب الكلمة الطيبة في هضم النفس، ولما أخذ بيد سفيان بن عيينة إلى خارج الحرم قال له: إن كنت تظن أنه قد بقى على وجه الأرض من هو شر مني ومنك فبئس ما تظن، يعني: أنا وأنت شر اثنين في المسلمين.

هكذا كانت أخلاق السادة، وكان يقول: لو خيرت بين أن أبعث فأدخل الجنة وبين ألا أبعث لاخترت ألا أبعث، فقيل لـ محمد بن أبي حاتم: مم هذا؟ قال: من الحياء، يعني: حياء من الله عز وجل، وحياء من مقابلته عز وجل.

وشهد الفضيل بن عياض عرفات وإذا بدموعه تتساقط على وجنتيه، وكان يقول طيلة اليوم: واسوءتاه منك وإن عفوت! يا خشية العبد من إحسان سيده يا حسرة القلب من ألطاف معناه فكم أسأت وبالإحسان قابلني واخجلتي واحيائي حين ألقاه يا نفس كم بخفي اللطف عاملني وكم رآني على ما ليس يرضاه يا نفس كم زلة زلت بها قدمي وما أقال عثاري ثم إلا هو والأسود بن يزيد عندما احتضر بكى وجزع، فقيل له: لم الجزع؟ قال: ومن أحق بالجزع مني، والله لو أتيت بالمغفرة من ربي لأهمني الحياء منه، إن الرجل ليكون بينه وبين الرجل الذنب الصغير فيعلم أنه قد عفا عنه فيستحيي منه عند لقائه.

وقال الحسن البصري: لو لم يكن البكاء إلا من هذا لكان حرياً أن يطول بنا البكاء.

والإمام أحمد دخل عليه أبو حامد القلقاني فقال له: ما تقول في الشعر؟ قال: مثل ماذا؟ قال: مثل قول القائل: إذا ما قال لي ربي أما استحييت تعصيني وتخفى الذنب من خلقي وبالعصيان تأتيني فما قولي له لما يعاتبني فيقصيني فجر الإمام أحمد ثوبه وأخذ نعله، ثم أغلق عليه باب الدار وسمع نحيبه من خلف الباب، وهو يقول: إذا ما قال لي ربي أما استحييت تعصيني وتخفي الذنب من خلقي وبالعصيان تأتيني فما قولي له لما يعاتبني ويقصيني يا من تمتع بالدنيا وزينتها ولا تنام على اللذات عيناه أفنيت عمرك فيما لست تدركه تقول لله ماذا حين تلقاه؟