للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[مهاجمة المسلمين لعدوهم من غير فرض جزية، وجواز موادعة الكفار عند الضعف والحاجة]

وقد سئل الإمام الشافعي: هل يجوز للمسلمين أن يهاجموا عدوهم من غير فرض جزية؟ قال: يجوز لهم هذا.

بل قال الشافعي: ويجوز لهم عند الضرورة أن يعطوا المشركين مالاً إذا خشي الإمام استئصال شأفة المسلمين.

يعني: دمار المسلمين دماراً نهائياً.

والدليل على هذا: أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث إلى غطفان بأن يرحلوا عن المدينة مقابل أن يعطيهم ثلث ثمار المدينة -إذاً: فالمسألة جائزة شرعاً- فقال سيدنا سعد بن عبادة: والله يا رسول الله! لقد كنا كفاراً وما كنا نعطيهم تمرة واحدة من ثمار المدينة، والذي بعثك بالحق لا نعطيهم إلا السيف.

ومثل هذا حصل مع ألب أرسلان لما كان معه عشرون ألف مسلم، وقسطنطين الرابع ملك الروم كان معه ستمائة وخمسون ألف جندي مدجج بالسلاح، فسلطان المسلمين خاف على الجيش المسلم أن يباد عن بكرة أبيه، فبعث إلى قسطنطين الرابع وقال له: أبعث لك ما تشاء من المال واسمح للجيش بالمرور، فقال: لا، قال: أعطيك ما تشاء من الأرض، قال: لا، وذلك لخوفه على المسلمين، فأراد أن يسمح لجيشه بالانسحاب، فأبى ذلك الطاغية، ثم قال: من أراد أن يرجع منكم فلا شيء عليه، قالوا: لا، بل نقاتل طلباً للشهادة، فلبس سلطان المسلمين ألب أرسلان كفنه عند الفجر، ولبس كل الجيش أكفنتهم وذهبوا طامعين في قسطنطين الرابع ومعه ستمائة وخمسون ألفاً، وما هي إلا ساعة حتى كان النصر للمسلمين، وسقط قسطنطين في الأسر، ثم نادى ألب أرسلان على قسطنطين: من يشتري الكلب؟ فنادى رجل من مؤخرة جيش المسلمين: لا أشتري الكلب إلا بالكلب! يعني: أدفع في ملك الروم هذا وأشتريه بكلب، قال: ادفعوا إليه الكلب، فذهب الرجل وأتى بكلبه وأتى بـ قسطنطين وربطهما في حبل ليف واحد من العنق، ثم مشى الرجل بهما إلى القسطنطينية، فلما رأى أهل القسطنطينية ما فعل بملكهم سملوا عينيه.

فالشاهد: أن الناس يمرون بمراحل، فمثلاً: المسلمون عندما يكونون في وقت مستضعفين فإنه يجوز لهم الموادعة، ولكن هذا لا يعفيهم من الإثم حتى يصلوا إلى الحالة التي يجاهدوا فيها الكفار، وإذا وقعت امرأة أو رجل من المسلمين في الأسر ولم يفد إلا بكل ما في بيت المسلمين من مال فإنه يجوز دفعه لافتدائه، فما ظنك بأعراض المسلمات التي تنتهك! أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.