للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[خيرية الأمة المحمدية ووسطيتها]

هذه الأمة خير الأمم وأكرمها على الله عز وجل: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ} [آل عمران:١١٠].

(كنتم) أي: في علم الله السابق المكتوب في اللوح المحفوظ قبل إيجاد الخلائق، وقبل خلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة، كما جاء في حديث رسولنا صلى الله عليه وسلم، أن هذه الأمة التي ستخرج من وراء الستار السرمدي، والغيب الذي لا يعلمه إلا الله عز وجل؛ أنها خير الأمم.

وقال ابن الأنباري: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} [آل عمران:١١٠] يعني: أنتم خير أمة أخرجت للناس، مثلما يقول الله عز وجل: {وَأَنَّ اللَّهَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} [النور:٢٠] يعني كان وما زال.

عن بهز بن حكم عن أبيه عن جده قال: قال رسول صلى الله عليه وسلم: (إنكم تتمون سبعين أمة أنتم خيرها وأكرمها على الله عز وجل).

وفي رواية: (وأفضلها).

قال الإمام المناوي: يظهر هذا الإكرام في أعمال هذه الأمة، وفي أخلاقها وتوحيدها، ومنازل أهلها في الجنة، ومقامهم في الموقف، ووقوفهم على تل يشرفون به على الخلائق يوم القيامة، هذه الأمة العظيمة لها دور خاص في التاريخ، ومقام خاص، وحساب خاص.

فينبغي أن تدرك الأمة جيداً، أن لها القيادة والريادة في التاريخ، وأنها لم تأت على هامش التاريخ، بل لها القيادة والريادة، وهذا الموقع يحتم عليها أن يكون عندها ما تعطيه للناس، فهذا المكان وهذا القدر لا يعطى للناس اعتباطاً، لكن له تبعاته.

وهذه الأمة أمة وسط، قال الله تبارك وتعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا} [البقرة:١٤٣].

والوسط: هو الأفضل، قال الله تبارك وتعالى: {قَالَ أَوْسَطُهُمْ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ لَوْلا تُسَبِّحُونَ} [القلم:٢٨] أي: قال خيرهم أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ لَوْلا تُسَبِّحُونَ.

الأمة الوسط وسط في كل معاني الوسط، سواء معنى الحسنى والفضل، أو معنى الاعتدال والقصد، فهي أمة وسط في التصور والاعتقاد بين رهبانية النصارى والغلو الروحي، وبين ارتكاس اليهود المادي.

أمة وسط في التفكير والشعور، لا تتبع كل ناعق، ولا تقلد تقليد القردة المضحك.

أمة وسط في التنظيم والتنسيق، لا تدع الحياة كلها للمشاعر والضمائر، ولا تدعها كلها أيضاً للتشريع والتأديب.

أمة وسط لا تهمل شخصية الفرد، ولا تجعله جشعاً أثراً، لا هم له إلا ذاته حتى ولو ضاع المجتمع.

أمة وسط في المكان والزمان، في الزمان بين عهد طفولة البشرية من قبلها وبين عهد النضوج العقلي، تحرص على هذا النضوج، وتوجهه مثلما أراد الله عز وجل.