[تهجد التابعين]
وكان مسروق بن عبد الرحمن بن الأجدع يقوم من الليل، وكانت زوجته تبكي عليه رحمة مما يصنع بنفسه، فقد كان يصلي وإن رجلاه لمنتفختان من طول القيام، وما كان يأتي فراشه إلا زحفاً كما يزحف البعير.
وكان أصحاب الربيع بن خثيم يعرفون أنه قام الليل ولم ينم بجمته، فإذا أتى إلى الصباح يقولون: والله إن جمة الربيع لتخبركم أنه لم يتوسدها الليلة، فإنها نفس الشعر الذي فارقناه في صلاة العشاء.
وحسان بن أبي سنان تقول عنه زوجه: كان يأتي إلى فراشي فيدخل معي في فراشي ثم يخادعني كما تخادع المرأة صبيها، فإذا علم أني قد نمت قام وسل نفسه إلى صلاة الليل.
ومنصور بن المعتمر: كان يقوم الليل إلى الصباح فوق سطح منزله، فلما مات قالت فتاة لأمها: يا أماه! المشحب الذي كان على سطح جارنا ما لي لم أره الليلة؟ فقالت: قد مضى إلى ربه.
والإمام الأوزاعي: بات يوماً عند جاره، فلما خرج من البيت رأت زوجة صاحب البيت بللاً في مصلى الأوزاعي، فعاتبت زوجها، وقالت له: ثكلتك أمك! تركت الصبيان حتى بالوا في مصلى الشيخ، فقال: والله ما هذا بول الصبيان، وإنما هذا من أثر دموع الشيخ ليلاً.
نزف البكاء دموع عينك باستعر عيناً لغيرك دمعها مدرار من ذا يعيرك عينه تبكي بها أرأيت عيناً للدموع تعارُ وعبد الرحمن بن مهدي يقول: ما صحبت رجلاً من الناس أرق من سفيان الثوري، كنت أرمقه الليلة بعد الليلة ويقوم من نومه فزعاً ويقول: اللهم لو كان لي عذر في التخلي عن الناس ما أقمت مع الناس طرفة عين، ومتى الخلاص من النار؟ اللهم إن كلاً يغدو ويروح وإن حاجة سفيان أن تغفر له ذنبه.
وشعبة بن الحجاج، يبس جلده على عظمه من كثرة العبادة.
وسيدنا أسيد بن حضير صحابي جليل، بينما هو في مربضه ليلاً يصلي ويقرأ بسورة البقرة، وكانت فرسه مربوطة بجواره، وكان ابنه يحيى قريباً منها، فكان إذا قرأ جالت الفرس، فإذا سكت سكنت، فإذا قرأ جالت، فخاف على ابنه، فأمسك عن القراءة، ثم نظر إلى السماء فإذا فيها ظل كأمثال المصابيح، فلما أصبح غدا إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأخبره بالقصة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (اقرأ يا ابن حضير، فلقد أتيت مزماراً من مزامير داود، قال: يا رسول الله كان ابني يحيى قريباً منها فخشيت أن تطأه الفرس بحافرها، فأمسكت عن القراءة، ثم سنظرت إلى السماء فإذا فيها أمثال الظلة فيها أمثال المصابيح، قال: أتدري ما ذاك؟ قال: قلت: الله ورسوله أعلم، قال: تلك السكينة دنت لقراءتك)، وفي رواية: (تلك الملائكة دنت لقراءتك ولو ظللت تقرأ لرأيت منها الأعاجيب)، وفي رواية: (ولو ظللت تقرأ لاستمرت ينظر الناس إليها لا تتوارى منهم)، فقد كانت بيوتهم بيوت النور.
وسيدنا ثابت بن قيس رضي الله عنه كان الصحابة يمرون بالليل على داره ويقولون: أما تنظرون إلى دار ثابت بن قيس إنها لتبهر بمصابيح منذ الليل.
وسيدنا محمد بن سيرين يقول: من يدلني على بسام بالنهار بكاء بالليل وأنا أدعو له.
فقد كان كثير التبسم للناس، فإذا أوى إلى الفراش فكأنه قتل أهل القرية جميعاً.