ومذهب أهل الحديث ومذهب السلف، وهو قول شيخ الإسلام ابن تيمية: أن الأنبياء معصومون من الكبائر دون الصغائر، إلا صغار الخسة فهم معصومون أيضاً منها، أما باقي الصغائر فغير معصومين منها، وهذا هو قول علماء الإسلام وقول أكثر أهل الكلام وعلماء التفسير وعلماء الحديث وأكثر الأشعرية.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: بل لم ينقل عن السلف والأئمة والصحابة والتابعين وتابعيهم إلا ما يوافق هذا القول.
يعني: أن الأنبياء معصومون من الكبائر ومن صغائر الخسة، وأما بقية الصغائر فيجوز عليهم أن يفعلوها، ولكنهم إذا فعلوها تابوا منها وأقلعوا عنها في الحال، وكان حالهم بعد التوبة أكمل من حالهم قبل التوبة.
وهذا القول الفصل، وهو الذي عليه أهل السنة والجماعة.
والدليل على ذلك: قول الله تبارك وتعالى: {وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى}[طه:١٢١]، هذا عن آدم عليه السلام.
وأما عن نوح عليه السلام فإنه لما فقد قال:{رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ}[هود:٤٥]، قال له الله عز وجل:{إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ}[هود:٤٦]، فقال نوح عليه السلام:{رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنَ الْخَاسِرِينَ}[هود:٤٧].
وسيدنا داود عليه السلام قال الله عز وجل عنه:{فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ}[ص:٢٤] وذلك لما حكم لخصم دون أن يسمع من الآخر.
ورسول الله صلى الله عليه وسلم قال له الله عز وجل:{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاةَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ}[التحريم:١].
وقال الله عز وجل:{لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ}[الفتح:٢].