للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[خشية سفيان لربه وعلو همته في الإصلاح وذكر بعض أقواله]

قال يوسف بن أسباط: كان سفيان إذا أخذ في ذكر الآخرة يبول الدم.

وقال عبد الرحمن بن مهدي: سمعت سفيان يقول: ما بلغني عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حديث قط إلا عملت به ولو مرة.

وقيل لـ سفيان الثوري: إلى متى تطلب الحديث؟ قال: وأي خير أنا فيه خير من الحديث فأصير إليه، إن الحديث خير علوم الدنيا.

وقال سفيان: إن أقبح الرغبة إلى الزنجي -يعني: العبد- وكده، أي: أكله ثم شغله، وفي رواية: اعلف الحمار ثم كده.

وقال سفيان الثوري: إني لأرى الشيء يجب علي -يعني: نهي عن منكر- أن أتكلم فيه فلا أفعل فأبول دماً؛ من الكمد والحزن.

وقال عبد الرحمن بن مهدي شيخ الإمام أحمد: كنا جلوساً مع الثوري في مكة فوثب وقال: النهار يعمل عمله، إن ملك الشمس يسوقها فمتى تريدون القيام.

وكانوا يحافظون على أوقاتهم، فهذا داود الطائي كان يسف خبزه سفاً -أي: يدق الأكل-، فيقول: ما بين السف والمضغ خمسين تسبيحة.

وعن سفيان قال: ما وضع رجل يده في قصة رجل إلا ذل له.

وقال أحمد بن يونس: سمعت الثوري ما لا أحصيه -يعني: يقول كثيراً-: اللهم سلم سلم، اللهم سلمنا وارزقنا العافية في الدنيا والآخرة.

وقال سفيان: ليس الزهد بأكل الغليظ ولبس الخشن، ولكنه قصر الأمل وارتقاب الموت، فالزهد أن تذكر حين يغسلونك ويكفنونك، فتقصر الأمل؛ حتى لا تنتظر أن تشرق عليك شمس الغد، هذا هو الزهد، وقصر الأمل يدفعك إلى العمل حتى لو قيل لك: إن القيامة غداً ما كان في عملك مزيد.

قال سفيان الثوري: المال داء هذه الأمة -أي: فتنة هذه الأمة-، والعالم طبيب هذه الأمة، فإذا جر العالم الداء إلى نفسه فمتى يبرئ الناس؟! وقال سفيان: لا نعلم شيئاً أفضل من طلب العلم بنية.

وقال الثوري: احذر سخط الله في ثلاث: احذر أن تقصر فيما أمرك، واحذر أن يراك وأنت لا ترضى فيما قسم لك، وأن تطلب شيئاً من الدنيا فلا تجده فتسخط على ربك.

وقال سفيان: الزهد زهدان: زهد فريضة، وزهد نافلة، فالفرض: أن تدع الفخر والكبر والعلو والرياء والسمعة والتدين للناس.

فإنك تجد شخصاً يزهد في المال ويزهد في كل شيء إلا في الجاه والرئاسة، وهذا رجل عنده مال كثير جداً، فيضيع ماله كله في انتخابات مجلس الشورى، فتراه يزهد في المال ولا يزهد في الجاه ولا يزهد في الشهرة، فأشد الزهد الزهد في النفس.

قال: أن تدع الفخر والكبر والعلو والرياء والسمعة والتدين للناس، أما زهد النافلة فأن تدع ما أعطاك الله من الحلال، فإذا طلب شيئاً من ذلك صار فريضة عليك ألا تتركه إلا لله عز وجل.

ودخل عبد الصمد الأمير العباسي عم الخليفة المنصور على سفيان يعوده وهو مريض، فحول سفيان وجهه إلى الحائط ولم يرد السلام، فقال عبد الصمد: أظن أبا عبد الله نائماً، فلما حول سفيان وجهه الناحية الثانية قال: أحسب ذلك أصلحك الله، فقال سفيان: لا تكذب لست بنائم، فقال عبد الصمد: يا أبا عبد الله! لك حاجة؟ قال: نعم، ثلاث حوائج: لا تعد إلي ثانيةً، ولا تشهد جنازتي، ولا تترحم علي، فانخذل عبد الصمد وقام، فلما خرج قال: والله لقد هممت ألا أخرج إلا ورأسه معي.

قال يوسف بن أسباط: قال سفيان: زينوا العلم والحديث بأنفسكم ولا تتزينوا به.