عز الدين بن عبد السلام سلطان العلماء وبائع الملوك والأمراء، لما أراد بعد ذلك أن يدخل إلى مصر قربه نجم الدين أيوب وجعله مفتياً للديار المصرية، وكان الشيخ يعلم أن المماليك وأهل الحكم في مصر غير السلطان نجم الدين أيوب من العبيد المماليك، فلا يحل لهم عقود البيع والشراء ولا السفر ولا الترحال إلا بإذن من سادتهم، وكان للملك هيبة ووحشة حتى عند المقربين منه، فلما قابله عز الدين بن عبد السلام قال له: يا نجم الدين! -وناداه باسمه- إن الحي الفلاني فيه الخمر الفلاني! فارتعد لكلمته نجم الدين أيوب وقال: هذا من زمن آبائي، قال: أنت ممن يقول الله فيهم: {إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ}[الزخرف:٢٢].
ثم قال بعد ذلك تلميذ عز الدين بن عبد السلام له: كيف واجهته وهو من هو؟ قال: تذكرت هيبة الله عز وجل فصار السلطان أمامي كالقط.
ثم بعد ذلك أرسل عز الدين بن عبد السلام إلى نجم الدين أيوب بعزمه على بيع المماليك من نظراء الدولة ومن نوابه، فقال: خض في غير هذا! فارتحل عز الدين بن عبد السلام عن القاهرة تاركاً وراءه كل شيء، أخذ متاعه على حمار وارتحل، فسار الناس خلف شيخهم وتركوا القاهرة لـ نجم الدين أيوب حتى قال وزيره: إن مضى هذا الرجل من القاهرة مضى عنك ملكك؛ لأن الناس سيخرجون وراءه، ما من رجل عاقل إلا سيخرج خلفه، فسيتركون لك القاهرة فتصبح ملكاً على المقابر.
فسار إليه وظل يتلطف له في القول ويسترضيه وقال: عد وأفت بما شئت، فقال: لأفتين ببيعهم غداً، فقال نائب السلطان للأمراء: أنا أريحكم من عز الدين بن عبد السلام وأقتله؛ كيف يبيعنا ونحن سادة البلد؟ فأمسك بسيفه ثم سار إلى بيت عز الدين بن عبد السلام، فأراد ابن عز الدين ألا يفتح له خوفاً على أبيه، فقال: اجلس يا بني! فإن أباك أقل من أن يرزقه الله الشهادة في سبيله.
ولما فتح الباب ارتعدت فرائص نائب السلطنة ويبست يده، وسقط السيف منها فقال: بالله عليك يا مولانا ماذا تعمل فينا؟ قال: أبيعكم غداً! قال: ومن يقبض ثمننا؟ قال: أنا، وأضعها في خزانة بيت مال المسلمين.
ولأول مرة -وهي المرة الوحيدة الفريدة في التاريخ- يباع أمراء المملكة على مرأى من الناس، يبيعهم سلطان العلماء، وبائع الملوك والأمراء!