قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لما مروا عليه بجنازة:(مستريح ومستراح منه، قالوا: يا رسول الله! ما المستريح وما المستراح منه؟ قال: أما العبد المؤمن فيستريح من نصب الدنيا وتعبها إلى سعة رحمة الله عز وجل، وأما العبد الكافر أو الفاسق فتستريح منه البلاد والعباد، والشجر والدواب)، فحتى الجماد يحس بوطأة الفاسق، وبوطأة العاصي، وأن بقاءه في الدنيا حرب على أهل الأرض.
وجاء في الأثر: أن عقارب الأرض وهوامها تقول: لعن الله ابن آدم؛ منعنا القطر بشؤم معصيته! فهذا العاصي تجده هيناً ذليلاً عند أهله، بل عند الدواب التي يملكها، كما قال أحد عباد السلف: إني لأعصي الله فأجد ذلك في خلق دابتي وامرأتي.
فيعصي الله عز وجل فيجد آثار المعصية عندما يركب إبله فيجدها تعصيه وتتمرد عليه، ويعود إلى البيت فترفع زوجته صوتها عليه، فهو ذليل عند أهله، وذليل حتى عند الحيوانات.
وشؤم المعصية يؤثر في حياة الإنسان ولو بعد آلاف السنين، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما مر بديار ثمود نزح الصحابة الماء وعجنوا به العجين؛ حتى يصنعوا منه الخبز، فأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم أن يلقوا هذا العجين للنواضح، وهي الإبل التي كانوا يسقون عليها الناس، فعافتها ورفضت أن تأكل من هذا العجين إلا جمل واحد كان أقواهن، فأكل فصار أضعفهن بشؤم المعصية، فقد أثر الماء الذي في الآبار عليه بعد مرور آلاف الأعوام من موت قوم ثمود، وهذا واضح جلي في السيرة.
والمولى عز وجل نعت الظالم بأبشع النعوت في القرآن الكريم، نعته بأن له أغراضاً كبيرة في كل شيء، يقول تعالى:{أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ}[الشعراء:٢٢٥]، ونعته بأن قوله يناقض فعله:{وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لا يَفْعَلُونَ}[الشعراء:٢٢٦]، وأنه مرتبط بالأرض ولا يتطلع إلى أفق السماء، وإنما كل ارتباطه وكل همه ملذات الأرض وشهواتها.
والدنيا تصمه عما سوى الباطل، وتعميه عن ذكر الله، وذكر الناس فاكهته وقوته، فينادى إلى الله عز وجل وإلى الدار الآخرة فلا يجيب النداء، هذا قبر يسعى إلى قبور مثله، ومريض يقوده مثله، فإذا ابتليت بمثل هذا الرجل فأعطه ظاهرك، وترحل عنه بقلبك، فهذا قاطع طريق عن الله عز وجل وعن الدار الآخرة، وقطاع الطريق عن الله عز وجل وعن الدار الآخرة أشد من قطاع الطريق في دار الدنيا؛ لأن الذي يقطع عليك الطريق في دار الدنيا يأخذ مالك، لكن قاطع الطريق عن الله عز وجل وعن الدار الآخرة يأخذ رأس تجارتك مع الله عز وجل، ويأخذ وقتك.
ولذلك تلقى السارق بالنسبة للآخرة حاله عجيب جداً، قال النبي صلى الله عليه وسلم:(أسرق الناس من يسرق من صلاته)، فقد تجد سارقاً يسرق أباه أو أخاه أو أمه أو عمه، لكن هل لقيت سارقاً يسرق نفسه؟! لا يوجد أبداً إلا الذي يسرق من صلاته، والعاصي هو الذي يسرق من صلاته، وهذا شيء عجيب وفريد! فالذي يرتبط بالأرض يكون همه فقط ما يأكله، فليس له هم إلا الطعام والشراب والثياب واللباس، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم:(تعس عبد الدرهم، تعس عبد الدينار، تعس عبد القطيفة، تعس عبد الخميصة)، فمن كان همه ما يأكله فقط ولا يتصور أنه أتى إلى الدنيا إلا من أجل الأكل فقط فقيمته ما يخرجه! والذي يرتبط بالأرض قال الله عز وجل عنه:{وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الأَرْضِ}[الأعراف:١٧٦]، فهو مرتبط بالأرض ولا يستطيع أن يرفع نفسه إلى السماء! إذا أنت غمت عليك السماء وظلت حواسك عن صبحها فعش دودة في ظلام القبور تغوص وتسبح في قيحها