[تكفل الله سبحانه بنصر عباده ودعوته ودينه]
إن الله تبارك وتعالى قد تكفل بنصر عباده، وبنصر دعوته، قال سبحانه: {إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأَشْهَادُ * يَوْمَ لا يَنفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ} [غافر:٥١ - ٥٢].
قال جبريل لأم إسماعيل عليها السلام هاجر: لا تخشي الضيعة؛ إن الله لا يضيع أهله.
فلا تنظر إلى الدعوة فإن لها رباً سيحميها ويحفظها، ولكن انظر إلى نفسك أنت، إن الله لا يضيع أهله، فاحرص على أن تكون من أهل الله، واترك الأمر إلى رب السماوات والأرض: لا تدبر لك أمراً فأولو التدبير هلكى سلم الأمر تجدنا نحن أولى بك منكا والله تبارك وتعالى يحفظ عباده بما يغيب عن عقولهم، ويحفظ عباده بالنواميس الأرضية، فالمهم أن يكون عند العباد ثقة، فهذا سيدنا نوح عليه السلام ماذا قال لقومه عندما سحروا منه بقولهم: {وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلَأٌ مِنْ قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ قَالَ إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ} [هود:٣٨]، لم يقل: فإنا سنسخر منكم يوم القيامة، وإنما قال: {فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ} [هود:٣٨] يعني: في لحظتنا هذه وفي وقتنا هذا.
وقال تعالى: {فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ * قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ} [الشعراء:٦١ - ٦٢].
ويزعم أنه منا قريب وإنا لا نضيع من أتانا ويسألنا على الإقتار جوداً كأنا لا نراه ولا يرانا وقال صلى الله عليه وسلم: (يا أبا بكر! ما ظنك باثنين الله ثالثهما)! وهذا مثال لحفظ الله لدعوته ولأنبيائه ولعباده الصالحين: {وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلا تَخَافِي وَلا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ} [القصص:٧].
انظر كم قتل فرعون من أجل ذبح موسى، قتل آلافاً مؤلفة من بني إسرائيل، وجعل الجواسيس يبحثون عن أي طفل رضيع فيذبحونه، وعندما ولدت أم موسى موسى ألهمها الله تبارك وتعالى أن تلقي بولدها في لجج البحر وأمواجه، مع أن المرأة إذا خافت على وليدها ضمته إلى صدرها، فما بال أم موسى تلقيه في البحر؟ ثقة بما عند الله تبارك وتعالى، ويقيناً بما عند الله تبارك وتعالى، فألهمها الله تبارك وتعالى أن تضع ولدها في تابوت وتلقيه في البحر، فسبحان من جعل من موج البحر لموسى مستراحاً ومأمناً ومناماً، وجعل النار على إبراهيم برداً وسلاماً.
فيتهادى التابوت ليصل إلى قصر فرعون؛ لتكون المعركة في بيت فرعون، يا فرعون لقد تعبت في سبيل البحث عن موسى فها نحن قد أتينا إليك بموسى رضيعاً فافعل به ما شئت، وحينما يفتح التابوت يرى الذي قال فيه المولى تبارك وتعالى: {وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي} [طه:٣٩]، فأسر الجمال الموسوي آسية عليها السلام، وقالت: {قُرَّةُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ لا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَنْ يَنفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا} [القصص:٩].
فماذا قال فرعون البائس؟ قال: أما لك فنعم قرة عين وأما لي فلا، والبلاء موكل بالمنطق، فنفعها الله تبارك وتعالى بهذه الكلمة فآمنت بموسى، وفرعون خذله الله تبارك وتعالى، فانظر يا فرعون كم قتلت من بني إسرائيل من أجل موسى، ونحن نقول لك: لا نربيه إلا في حجرك؛ ليكون هلاكك بعد ذلك على يده.
إن الله تبارك وتعالى يا إخوتاه! لم يحم عبده وكليمه بكوكبة من الملائكة، ولا بفرسان من البشر، وإنما حماه بستر رقيق من المحبة يغلف قلب آسية، ففرعون أهون وأحقر عند الله تبارك وتعالى من أن يوكل عليه ملكاً من الملائكة، هذا الذي طغى وعتا حمى الله تبارك وتعالى كليمه منه بقول امرأة: {لا تَقْتُلُوهُ} [القصص:٩]، فيقول لها فرعون: سمعاً وطاعة لا تَقْتُلُوهُ، فينفذ أمر آسية التي بعد ذلك آمنت بموسى، وتخلت عن ملكها وعن أبهات الملك، والمرأة بطبيعتها أضعف ما تكون أمام إغراء المجتمع، ولكن آسية الصامدة تتخلى عن هذا كله، وكانوا يعذبونها، فإذا ذهبوا عنها أظلتها الملائكة، {قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنَ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} [التحريم:١١].
وقلب الله تبارك وتعالى النعم التي أعطاها لفرعون نقماً عليه، فقد عذب بالماء وبكل ما يتصل بالماء، وبالجراد وبالقمل وبالضفادع، ثم كانت نهايته أن أغرقه الله تبارك وتعالى بالمياه التي افتخر بها.
يقول جبريل للرسول صلى الله عليه وسلم: (لو رأيتني يا محمد! وأنا أدس في فيه من حال البحر المنتن؛ حتى لا تدركه رحمة الله تبارك وتعالى)، فكونوا على يقين بنصر الله تبارك وتعالى لجنوده وأوليائه وأنبيائه وعباده الصالحين.