والجامع لهذه الأشياء هو الحق الثابت المتصل بالله ولله، وما كان منها بالله عز وجل وبأمر الله عز وجل، فمخرج الصدق تكون فيه ضامناً على الله عز وجل، متحركاً لأمر من أمور الله عز وجل، كمخرج رسولنا صلى الله عليه وسلم من مكة إلى المدينة، فقد هرب وفر بدينه ليرسي قواعد الإسلام في بلدة أخرى: ويح قوم جفوا نبياً بأرض ألفته ضبابها والظباء وسلوه وحن جذع إليه وقلوه ووده الغرباء ونحا المصطفى المدينة واشتا قت إليه من مكة الأنحاء كان يلقب بالصادق وما احتملوا صدقه، الحجارة كانت تعلم أنه صادق، كما روى الإمام مسلم يقول سيدنا صلى الله عليه وسلم:(إني لأعلم حجراً بمكة كان يسلم علي قبل البعثة)، وبرغم هذا ما احتملوا صدقه، فأخذ صدقه ورحل وترك مكة للغوغاء، إذاً: هذا مخرج الصدق.
أما مخرج الكذب فمخرج أبي جهل حينما خرج إلى بدر بعد أن نجت عيرهم، فقالوا: قد نجت العير ولا داعي للقاء محمد، قال: لا، بل نقيم ثلاثة أيام في بدر، ننحر الجزور، ونشرب الخمر، وتعزف القيان حتى تسمع بنا العرب فتخافنا وترهبنا، فكان خروجهم من أجل الكذب ومن أجل الرياء فمات في قليب بدر.
ومدخل الصدق كدخول نبينا صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، فقد اعترف زعيم اليهود بنبوته منذ أن رآه، وهذا لأن دخوله صدق، قال عبد الله بن سلام:(لما جاء النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة وكان الناس كنفيه، فلما استبنت وجهه علمت أنه ليس بوجه كذاب على الله عز وجل)، فمن أول نظرة نظرها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم علم أن وجهه لا يمكن أن يكذب على الله عز وجل، بخلاف الكذاب فلو قمت بدهنه مليون سنة بطلاء أبيض فإن ذرات وجهه تنطق بالكذب، قال:(وكان أول ما سمعته منه: أيها الناس! أفشوا السلام، وأطعموا الطعام، وصلوا الأرحام، وصلوا بالليل والناس نيام تدخلوا الجنة بسلام).
أما دخول الأحزاب المدينة فهذا دخول كذب، فـ عمرو بن عبد ود كان أكبر فارس في الجزيرة العربية، وأراد أن يقفز بفرسه على الخندق وكان عريضاً، ويقول للصحابة: من يبارز؟! من يبارز؟ فقال سيدنا علي: يا رسول الله! أنا لها، وكان سيدنا علي مازال شاباً صغير السن، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم:(اجلس إنه عمرو)، وفي المرة الثانية يقول عمرو: من يبارز، أما فيكم من يبارز؟ فيقول سيدنا علي: يا رسول الله! دعني له يقول: (اجلس إنه عمراً)، فقال في الثالثة: وإن كان عمرو، فدعا له النبي صلى الله عليه وسلم، فخرج يبارز فقال: من أنت يا بني؟! ينظر إليه نظرة المستهزئ، قال: أنا علي بن أبي طالب، قال: أما كان في أعمامك من يكفيك، إني والله لا أرضى بقتلك! قال: ولكني والله أحب قتلك، فظل يصاوله حتى قتله علي بن أبي طالب، ولما سمع الرسول صلى الله عليه وسلم ذلك كبر وكبر صحابة رسول الله.
فعندما أراد أبو سفيان ومن معه من الأحزاب دخول المدينة بالزور وبالبهتان وبالكذب، فوالله ما فرقتهم إلا الريح! فما أبقت لهم من كراع ولا خف.
فكل خروج من بيتك تكون فيه ضامناً على الله عز وجل ولأمر من أمور الله عز وجل فهذا مخرج الصدق، وكل دخول في موطن من المواطن تكون فيه ضامناً على الله عز وجل فهذا مدخل الصدق.