زوج فرعون مثال عال للاستعلاء على عرض الدنيا النتنة، فحينما تطل بكبرياء أهل الجنة على زخرف الأرض وتقول: لا أريده، قال الله تبارك وتعالى:{وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ آمَنُوا اِمْرَأَةَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنَ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ}[التحريم:١١]، فهي لم يصدها طغيان الكفر الذي تعايشه في قصر فرعون عن طلب النجاة من ربها؛ وإنما تبرأت من قصر فرعون طالبة من الله بيتاً في الجنة، ولما حرمت من السكن في دار الدنيا تبرأت من صلتها بفرعون، وتبرأت من عمله، وخافت أن يلحقها شيء لأنها ألصق الناس به، وتبرأت من قوم فرعون وهي تعيش بينهم، فهذه المرأة السيدة الكاملة مثل للاستعلاء على عرض الدنيا في أبهى صوره، فلقد كانت امرأة فرعون الذي كان أعظم ملك في الأرض يومئذ، وكانت في قصره الذي يمثل أمتع مكان تجد فيه المرأة ما تشتهيه، فاستعلت على هذا بالإيمان وحده، واعتبرته شراً ودنساً وبلاء تستعيذ بالله منه، وطلبت النجاة منه.
وهي امرأة واحدة في مملكة عريضة قوية، وهذا فضل آخر؛ فالمرأة أشد شعوراً بوطأة المجتمع وبتطوراته، وهذه المرأة كانت وحدها في وسط هذا المجتمع الكافر العريض، في وسط ضغط القصر وضغط الملك، وضغط الحاشية، والمقام الملوكي، ففي وسط هذا كله رفعت رأسها إلى السماء وحدها في خضم هذا الكفر الطاغي.
وهي نموذج عال في التجرد لله عز وجل من كل هذه المؤثرات، ومن كل هذه الأواصر والمعوقات، ومن ثم استحقت أن تذكر في كتاب الله الخالد، الذي تتردد كلماته في جنبات النفوس.
فهي امرأة عظيمة بحق، يذكرها الله عز وجل في كتابه العظيم.
عن أبي موسى قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كمل من الرجال كثير، ولم يكمل من النساء إلا آسية امرأة فرعون، ومريم بنت عمران، وإن فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام).
وعن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (حسبك من نساء العالمين بأربع: مريم بنت عمران، وآسية امرأة فرعون، وخديجة بنت خويلد، وفاطمة بنت محمد رضي الله عنها).