[موالاة الدواب للمؤمن]
أيضاً: الدواب عندها موالاة للمؤمن، وبغض للكافر، ألم يقل المصطفى صلى الله عليه وسلم عندما مرت عليه جنازة: (مستريح أو مستراح منه؟ قالوا: يا رسول الله! ما المستريح وما المستراح منه؟ قال: المستريح العبد المؤمن يستريح من نصب الدنيا وتعبها إلى سعة رحمة الله تبارك وتعالى، قالوا: وما المستراح منه؟ قال: العبد الفاجر تستريح منه البلاد والعباد والشجر والدواب).
فالدواب تبغض الكفر وأهله، وتحب الخير وأهله، وجنازة الكافر عيد لأهل الأرض؛ لأنه فساد في هذا الكون المسبح، يقول الله تبارك وتعالى: {وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لا يُوقِنُونَ} [النمل:٨٢].
وخذ أمثلة من الدواب بما شئت: البقر، وللأسف من البشر من يعبد البقر، والبقرة تعبد الله تبارك وتعالى، ولكن الناس عبدوها وصفقوا وطبلوا لها وبعدها رجل كبير من زعماء الدول، هذا الرجل يقول: إني أتوجه ومعي ملايين الهنود لعبادة البقرة، يقول: غيرها تحتاج منا إلى تعب وطول خدمة، أما البقرة فلا تحتاج إلا إلى عناية بسيطة.
بل أسخف من هذا يقولون: إن هناك معابد في الهند أنفق عليها ملايين المليارات من الجنيهات مختومةً برخام أبيض، ويكفيك عجباً أن تعلم أن الإله الذي تتوجه إليه الآلاف من الهند عبادة هو: الفئران.
فالبقرة تعبد الله تبارك وتعالى كما ورد في صحيح الإمام البخاري قال: (بينا رجل يسوق بقرة إذ ركبها فطردها، فقالت له: إنا لم نخلق لهذا، إنما خلقنا للحرث، فقال الناس: سبحان الله! بقرة تتكلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنا أومن بذلك أنا وأبو بكر وعمر) هذه بقرة تخبرنا أن الله تبارك وتعالى سخرها لمهمة معينة، فهي معبدة ومذللة لمهمة معينة في هذا الكون.
خذ مثلاً: الجمال: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَامًا فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ * وَذَلَّلْنَاهَا لَهُمْ فَمِنْهَا رَكُوبُهُمْ وَمِنْهَا يَأْكُلُونَ} [يس:٧١ - ٧٢].
فما سمعنا أن رجلاً يختلي بسبع أو نمر أو فيل أو أسد في بيته، أما الجمال فقد يصحبها الصبي الصغير، بل قد يصحب قافلة من الجمال؛ لأن الله سخرها، وذللها لبني آدم، وحين يغضب قد يقتل عشرات الرجال، ويفر الناس من أمامه، وهناك حديث صحيح يدل على عبودية هذا الجمل لله تبارك وتعالى، دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم حائطاً لأحد رجالات الأنصار فإذا فيه جمل، فلما رأى هذا الجمل رسول الله صلى الله عليه وسلم حن إليه وبكى، فذهب إليه المصطفى صلى الله عليه وسلم ومسح ذفراه بيده فسكن الجمل، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: (من صاحب هذا الجمل؟ فقال فتى من الأنصار: لي يا رسول الله؟ فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: إن هذا الجمل يشكو إلي أنك تجيعه وتدئبه) هذا الجمل يعلم أن هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنه مرسل من قبل الله تبارك وتعالى، فيبثه شكواه ويذرف الدموع بين يديه.
وبينا رسول الله صلى الله عليه وسلم أيضاً في حائط لرجل من بني النجار وفي هذا الحائط حديقة فيها جمل، كلما دخل رجل من الحائط شد عليه، فأشار إليه المصطفى صلى الله عليه وسلم فأتى وبرك بين يديه، فقال المصطفى صلى الله عليه وسلم: (ائتوني بخطامه، ثم خطمه ثم دفعه إلى صاحبه، ثم نظر إلى الصحابة وقال: إنه ليس من شيء بين الأرض والسماء إلا ويعلم أني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا عاصي الإنس والجن).
وفي حجة الوداع أتى المصطفى صلى الله عليه وسلم بمائة ناقة لينحرها، فتسابقت النوق بين يديه أيتها ينحر أولها، وكأن الموت بين يديه حياة: أتسأل عن أعمارنا أنت عمرنا وأنت لنا المحبوب ذكرك نير تعاودني ذكراك في كل لحظة ويورق فكري حين كنت أفكر تذوب شخوص الناس في كل لحظة وفي كل يوم أنت في القلب تكبر نزار قباني يقول لـ عبد الناصر: تضيق قبور الميتين بمن بها وفي كل يوم أنت في القبر تكبر وهذا غير صحيح فيه، وأولى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم: تذوب شخوص الناس في كل لحظة وفي كل يوم أنت في القلب تكبر نسينا في ودادك كل حي فأنت اليوم أغلى ما لدينا نلام على محبتكم ويكفي لنا شرف نلام وما علينا ولما نلقكم لكن شوقاً يذكرنا فكيف إذا التقينا تسلى الناس بالدنيا وإنا لعمر الله بعدك ما سلونا