للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[قراءة القرآن بتدبر]

فما هي الأسباب الجالبة للمحبة؟ السبب الأول: قراءة القرآن يتدبر وتفهم لمعانيه، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي حسنه الألباني: (من سره أن يحب الله ورسوله فلينظر في المصحف).

فرحم الله أقواماً قرءوا القرآن على أنه رسائل من ربهم إليهم، فقدروا قدر المرسل، وقدروا قدر هذه الرسائل، ولو طهرت قلوبكم لما شبعتم من كلام ربكم، هذا قول ذي النورين.

فتقرب إلى الله ما استطعت، واعلم أنك لن تتقرب إليه بشيء أحب إليه من كلامه، وكما يقول ابن الصلاح فيما روى عنه الإمام السيوطي في الإتقان: وقراءة القرآن كرامة اختص الله بها البشر دون الملائكة -إلا سيدنا جبريل؛ لأنه النازل بالوحي- ولهذا تحب الملائكة سماعه من البشر.

ومن رحمة الله عز وجل: أنه سهل الفهم لمعرفة معاني كلامه، وهذا لطف من الله عز وجل: {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ} [القمر:٢٢]، فبصيص من معاني القرآن الكريم ينسيك نفسك، كما قيل: مزامير الأنس، من حضرة القدس، بألحان التوحيد في رياض التمجيد، هذا طعم الخبر فكيف طعم النظر؟! آيات منزلة من فوق العرش، الأرض منها سماء، وهي منها كواكب، إذا رقت فأمساس الحياة الآخرة، وإذا هدرت فأمواج البحار الزاخرة كما قال أديب الإسلام الرافعي: {اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ} [الزمر:٢٣].

وقال تعالى: {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ} [الحديد:١٦].

وقال تعالى: {لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} [الحشر:٢١].

وقال تعالى: {قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ} [يونس:٥٨].

فضل الله: هو الإسلام، ورحمته: أن جعل لكم من أهل القرآن، كما قال ابن عباس، أو فضل الله: هو القرآن، ورحمته: الإسلام كما قال أبو سعيد الخدري.

وقال تعالى: {أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} [العنكبوت:٥١].

هذه الألسنة تحتاج إلى ملايين المرات من التوبة قبل أن تنطق بآية من آيات الله عز وجل، وهذه الألسن تحتاج إلى آلاف المرات من الطهارة والنظافة قبل أن تنطق باسم الله عز وجل، وليس العجب من قول الله عز وجل: (اذكروني) فهذا حق لله عز وجل، وإنما العجب من قوله تعالى: {أَذْكُرْكُمْ} [البقرة:١٥٢].

يا غفول يا جهول! لو سمعت صرير الأقلام في اللوح المحفوظ وهي تكتب اسمك عند ذكرك لمولاك لمت شوقاً إلى مولاك، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (خيركم من تعلم القرآن وعلمه)، ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الله يرفع بهذا الكلام أقواماً، ويضع به آخرين).

ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يقال لقارئ القرآن يوم القيامة: اقرأ وارتق، ورتل كما كنت ترتل في دار الدنيا، فإن منزلك عند آخر آية كنت تقرؤها).

ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من علم آية من كتاب الله فله ثوابها ما تليت).

ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الماهر بالقرآن مع السفرة الكرام البررة، والذي يقرأ القرآن ويتتعتع فيه وهو عليه شاق له به أجران).

يقول أحمد بن أبي الحواري: إني لأعجب لقراء القرآن كيف يهنيهم النوم ومعهم القرآن؟! أما والله لو علموا ما حملوا لطار عنهم النوم فرحاً بما رزقوا.

وقيل للحسن البصري: إن هنا رجلاً يحفظ كتاب الله ثم ينام عنه، قال: ذاك رجل يتوسد القرآن.

أي: ينام على القرآن ويجعله وسادة وهو كلام يقطع نياط القلوب الطاهرة.

قال محمد بن مسعدة: القرآن بستان العارفين، فأينما حلوا منه حلوا في رياض نضرة.

وقال مالك بن دينار: إن الصديقين إذا تلي عليهم كلام الله عز وجل قربت قلوبهم، واشتاقت إلى ما عند الله عز وجل، ثم يقول: اسمعوا إلى ما يقول الصادق من فوق عرشه: رحم الله أقواماً كان القرآن نعيمهم وعنوانهم، أنسهم وميدانهم، نزهتهم وبستانهم.

يقول شيخ لتلميذه: أتحفظ القرآن؟ قال: لا، فيقول: يا غوثاه! فبم تترنم؟ وبم تشدو؟ وبم تناجي مولاك؟ لو أن الإنسان قرأ القرآن على أنه رسائل نازلة من فوق السموات السبع، كما يقول كعب، يقول: القرآن أحدث الكتب نزولاً من عند ربكم.

وكان الرسول صلى الله عليه وسلم حين ينزل المطر يشمر بثوبه ويقول: (إنه حديث عهد بربه)، فما ظنك بالقرآن؟ وعلى هذا القول يفهم قول سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من سره أن يستمع القرآن غضاً طرياً كما أنزل فليستمعه من ابن أم عبد: {إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ} [فاطر:٢٩]).

قال مطرف بن عبد الله: هذه آية القرآن التي وضعها الله تبارك وتعالى لقراء القرآن.

وفي الصحيح الموقوف على أبي هريرة وابن عمر وله حكم الرفع: (يأتي القرآن يوم القيامة يقول: يا رب! إن لكل عامل عمالة فما عمالتي؟ ثم يقول: يا رب! هذه حلة الكرامة، يا رب! ألبسه تاج الكرامة، يا رب! ارض عنه، فليس بعد رضاك شيء).

وفي الحديث الذي رواه ابن ماجة وسيدنا الشيخ الألباني شفاه الله عز وجل وعافاه، وأمد الله في عمره وفي حياته، وأخرجه من المحنة التي يمر بها، يقول عنه: إن إسناده محتمل للتحسين (إن الرجل حين يخرج من قبره يتلقاه صاحب له فيقول: من أنت؟ يقول: أنا الذي أظمأت هواجرك، وأسهرت ليلك، أنا القرآن، وإن كل تاجر من وراء تجارته، وإني اليوم لك من وراء كل تجارة، ثم يقال: اقبض بهذه الخلد، وبهذه النعيم، ثم يكسى تاج الكرامة، ويحلى والديه حلة لا تقوم لهما الدنيا).

أطيلوا على السبع الطوال وقوفكم تدر عليكم بالعلوم سحاب وفي طي أثناء المثاني نفائس يطيب بها نشر ويفتح باب تلا فصلت لما أتاه مجادل فأبلس حتى ما يكون جواب أقر بأن القول فيه طلاوة ويعلو ولا يعلو عليه خطاب يقول بشر بن السري: مثل القرآن مثل الثمرة، فالثمرة كلما مضغتها وجدت حلاوتها.

قال مالك بن دينار معلقاً رحمه الله: صدق، فإنما أتي الناس من أنهم يريدون آخر السورة، يكون هم الواحد منهم أن ينتهي من السورة، وقد كان رسولنا صلى الله عليه وسلم ربما وقف عند الآية يرددها إلى الصباح مثل قوله: {إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [المائدة:١١٨].

وكم من علماء السلف من وقف الليل بآية يرددها إلى الصباح، كما حدث مع الربيع بن خثيم حيث كان يردد قوله تعالى: {أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ} [الجاثية:٢١]، وثبت ذلك عن سعيد بن جبير وعن غيره من العباد والعلماء.

فهذه أيام ذكر كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أفضل أيام الدنيا أيام العشر)، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما من أيام العمل الصالح أحب إلى الله تبارك وتعالى من أيامكم هذه، فأكثروا فيهن من التسبيح والتحميد والتهليل).

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث ابن عباس: (ما من أيام العمل الصالح أحب إلى الله عز وجل فيهن من أيامكم هذه، قالوا: ولا الجهاد في سبيل الله يا رسول الله؟ قال: ولا الجهاد في سبيل الله، إلا رجل خرج بنفسه وماله ثم لم يرجع من ذلك بشيء).

فيكون مطلق الذكر في هذه الأيام أفضل من كل أنواع الجهاد.

يقول ابن رجب: ويستحب للإنسان أن يختم القرآن في يوم وليلة.

وهذا قول جمهور أهل العلم كما نقله الإمام النووي والإمام ابن رجب وغيره من أهل العلم.