للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الأسباب الجالبة لحلاوة الإيمان]

وأما الأسباب الجالبة لحلاوة الإيمان فنعدها أولاً، ثم بعد ذلك نشرح بعضاً منها: فحديث سيدنا أنس، فيه ثلاثة أسباب، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله عز وجل، وأن يكره أن يعود في الكفر بعد إذ أنقذه الله منه كما يكره أن يقذف في النار).

والحديث الثاني يشمل أيضاً ثلاثة، يقول صلى الله عليه وسلم: (ذاق طعم الإيمان من رضي بالله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبياً ورسولاً).

فهذه ثلاثة أخرى يكتمل بها العدد ستة.

ثم الحديث الذي رواه الإمام الطبراني وصححه الشيخ الألباني يقول: (ثلاث من كن فيه فقد وجد بهن طعم الإيمان: من عبد الله وحده وعلم أن لا إله إلا هو، وأدى زكاة ماله طيبة بها نفسه رافدة عليه في كل عام، ولم يعط الهرمة ولا الدرنة ولا المريضة ولا الشرطة ولا اللئيمة، ولكن من أوسط أموالكم، فإن الله لم يسألكم خيره ولم يأمركم بشره، وزكى نفسه، فقال رجل: وما تزكية نفسه يا رسول الله؟! قال: أن يعلم أن الله معه حيث كان).

وثلاثة أخرى يجمعها حديث القلب المخموم، قال النبي صلى الله عليه وسلم لما سئل: (أي الناس خير؟ قال: ذو القلب المخموم، قالوا: وما القلب المخموم يا رسول الله؟! قال: التقي النقي الذي لا غل فيه ولا حقد ولا حسد، قالوا: فمن على أثره يا رسول الله؟! قال: الذي يشنأ الدنيا -أي: الذي يكره الدنيا- قالوا: فمن على أثره يا رسول الله؟! قال: مؤمن ذو خلق حسن).

ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: (أكمل المؤمنين أيماناً أحاسنهم أخلاقاً، الموطئون أكنافاً الذين يألفون ويؤلفون).

وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (أفضل الإيمان الصبر والسماحة).

وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (وأحب للناس ما تحب لنفسك تكن مؤمناً).

أيضاً من الأسباب الجالبة لحلاوة الإيمان حديث سيدنا عمار بن ياسر الموقوف وله حكم الرفع، والذي رواه الإمام البخاري معلقاً بصيغة الجزم ووصله الحافظ ابن حجر في تغليق التعليق وابن أبي شيبة في مصنفه وعبد الرزاق ووكيع في الزهد: قال عمار بن ياسر رضي الله عنه: (ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان: الإنفاق من الإقتار، وإنصاف الناس من نفسك، وبذل السلام للعالم).

فهذه أيضاً من الأسباب الجالبة لحلاوة الإيمان.

أيضاً من الأسباب الجالبة لحلاوة الإيمان: اليقين، قال عبد الله بن مسعود: (اليقين الإيمان كله).

وقال أبو بكر الوراق: (ملاك القلب اليقين، وبه كمال الإيمان).

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية عن اليقين: (الصبر نصف الإيمان، واليقين الإيمان كله).

وقال: (إنما تنال الإمامة في الدين بالصبر واليقين، {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ} [السجدة:٢٤]).

وأيضاً من كمال الإيمان الورع، كما قالت السيدة عائشة رضي الله عنها: (وخير دينكم الورع).

أيضاً من الأسباب الجالبة لحلاوة الإيمان: الرضى بقضاء الله عز وجل وقدره، كما جاء في مسند البزار بإسناد حسن عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: (لا يجد عبد حقيقة الإيمان حتى يعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه وما أخطأه لم يكن ليصيبه).

وقال أبو الدرداء أيضاً فيما رواه عنه الإمام ابن القيم: (ذروة سنام الإيمان الصبر للحكم -يعني: لأحكام الله عز وجل- والرضا بالقدر).

ومن الأسباب الجالبة لحلاوة الإيمان: الصلاة، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (وجعلت قرة عيني في الصلاة).

وكما قال أبو سليمان الداراني: (أهل الليل في ليلهم ألذ من أهل اللهو بلهوهم).

قال الحسن البصري: (اطلبوا الحلاوة في ثلاث: في الصلاة والذكر وقراءة القرآن، فإن وجدتموها فذلك خير، وإلا فاسألوا الله العافية واعلموا أن الباب مغلق، ما تنعم المتنعمون بمثل ذكر الله عز وجل).

والقرآن الكريم جعله النبي صلى الله عليه وسلم ربيع القلوب، وقال الله عز وجل: {قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ} [يونس:٥٨].

وقال أبو سعيد الخدري: (فضل الله القرآن، ورحمته الإسلام).

وقال ابن عباس: (فضل الله الإسلام، ورحمته القرآن).

فلا شيء أنعم للأرواح ولا ألذ من تلاوة كلام الله عز وجل، كما قال أحد الصالحين لتلميذه: أتحفظ القرآن؟ قال: لا.

قال: واموتاه من رجل لا يحفظ القرآن؛ فبم تترنم؟ فبم تتنعم؟ فبم تناجي مولاك؟! أيضاً من الأسباب الجالبة لحلاوة الإيمان: الأنس بالله عز وجل والمناداة والتملق والتذلل بين يدي الله عز وجل، والانطراح على عتبة العبودية، وأن تأتي مولاك ذليلاً عارياً من كل دعوى، وتلقي نفسك وتنطرح على عتبة مولاك بكامل الفقر والذل والخضوع لمولاك.

ثم ومن الأسباب الجالبة لحلاوة الإيمان كما قال أهل العلم: الجهاد، {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ} [الحجرات:١٥].

وقال شقيق البلخي لرجل في أحد المعارك والناس بين الصفين: (هذا اليوم مثل اليوم الذي زفت فيه إليك امرأتك؟ قال: لا، والله إنه يوم تضرب فيه الرءوس وتقطع فيه الأعناق، قال: والله هذا اليوم أحب إلي).

وكما قال سيدنا خالد بن الوليد رضي الله عنه: (والله ما من ليلة تهدى إلي فيها عروس أو أبشر فيها بمولود أحب إلي من ليلة أصبح بها العدو في جند من جنود المسلمين في ليلة باردة أو ليلة شاتية)، أو كما قال.

أيضاً: المعرفة بأسماء الله وصفاته جالبة لحلاوة الإيمان.

وأيضاً: ترك الهوى ومخالفته وترك الشهوات.

ومن الأسباب الجالبة لحلاوة الإيمان ما قاله بشر بن الحارث الحافي: (لا يجد العبد طعم العبادة ولا حلاوة العبادة حتى يجعل بينه وبين الشهوات حائطاً من حديد).

وأيضاً من الأسباب الجالبة لحلاوة الإيمان: الاستقامة على أمر الله عز وجل، فقد قالوا لـ حبيب بن الورد صديق القلوب: (هل يجد من فعل المعصية حلاوة الإيمان؟ قال: لا، ولا من هم بها).

فالرجل الذي تحدثه نفسه بالمعصية لا يجد حلاوة الإيمان وطعمه، والمتقون هم الذين تركوا ما نهى تبارك وتعالى عنه وأتوا ما أمر الله تعالى به ثم خافوا ألا يقبل منهم، كما قال الفضيل.

والفضيل قال عنه عبد الله بن مبارك: (لقد جمعت علم العلماء فما وجدت أحب لقلبي من علم الفضيل بن عياض).

وقال الفضيل رحمه الله: (حرام على القلوب أن تجد حلاوة الإيمان حتى تزهد في الدنيا).

ويقول إبراهيم بن أدهم: (لو يعلم الملوك وأبناء الملوك ما نحن فيه من سعادة لجالدونا عليها بالسيوف).

ثم الشوق إلى الله تبارك وتعالى أعلى نعيم في الدنيا، ولذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: (وأسألك لذة الشوق إلى لقائك، ولذة النظر إلى وجهك الكريم).

فجمع بين أعلى نعيم في الدنيا وأعلى النعيم في الآخرة، وجمع بين نعيم الأبدان ونعيم القلوب فقال: (أسألك نعيماً لا ينفذ، وقرة عين لا تنقطع).

فالنعيم الأول نعيم الأجساد، وقرة العين التي لا تنقطع هي نعيم القلوب.

فهذه خمسة وثلاثون أو اثنان وثلاثون سبباً لجلب حلاوة الإيمان.