والله إن أناساً من هذه الأمة ماتوا من الخوف، كانت تتلى عليهم آيات العذاب أو يرددونها فتخرج أرواحهم.
ومنهم علي بن الفضيل بن عياض وقد قرأ زرارة بن أوفى قاضي البصرة قول الله عز وجل:{فَإِذَا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ * فَذَلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ}[المدثر:٨ - ٩] في صلاة الصبح فخرجت روحه، وأبو جهير الضرير في مجلس صالح المري تخرج روحه، وكان الناس يحضرون مجالس عبد العزيز بن سليمان فيقول: النار، النار، القيامة، القيامة، فيرفع من المجلس الميت والميتان والثلاثة.
ومنهم من بكى من خوف النار، ومن خوف الوقوف بين يدي الله عز وجل حتى عمي.
والإمام الترمذي -الذي ما خلف البخاري بعده أفضل منه وأورع- بكى من خوف الله عز وجل حتى عمي.
وعلي بن بكار الذي يقول: منذ أربعين سنة ما أحزنني إلا طلوع الفجر بكى حتى عمي.
هشام الدستوائي بكى حتى عمي، وقبل أن يعمى كان إذا أبعدت زوجته عنه السراج يبكي فتقول له: لم تبكي؟ فيقول: أخشى ظلمة القبر.
وأشيم البلخي بكى حتى عمي، وكان يقول: أواه القبر وظلمته، أواه اللحد وضيقه، ثم يبكي حتى عمي.
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم عن سيدنا سعد بن معاذ الذي اهتز لموته عرش الرحمن:(ضيق عليه القبر لولا أن فرجه الله عنه) فانظر ماذا يكون حالي وحالك؟ وعطاء السلمي يبكي ويقول: ويل عطاء، ليت عطاء لم تلده أمه، وكان إذا غلا السعر في السوق يقول: كل هذا بذنب عطاء، لو مات عطاء لاستراح الناس، لو مات لاستراح الناس.
والفضيل بن عياض يأتي إليه جابر بن سليمان من أصحاب الحديث، فيقول له: اجلس يا جابر! ليس عند أصحاب الحديث أحب إليهم من قرب الإسناد، وسآتي لك بإسناد رسول الله صلى الله عليه وسلم عن جبريل عن ربه:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ}[التحريم:٦]، فأنا وأنت يا جابر من الناس، يعني: أنا وأنت من وقود النار، ثم غشي على الفضيل، وكذا على ابنه علي، ما كانوا يستطيعون ذكر القيامة، أو أي آية من آيات العذاب.
وعمر بن عبد العزيز كان يبكي حتى تختلف أضلاعه ويقول: بطيء بطين متباطئ، ويتمنى على الله منازل الصالحين، وكان يبكي ويقول: نهارك يا مغرور سهو وغفلة وليلك نوم والردى لك لازم وتكدح فيما سوف تكره غبه كذلك في الدنيا تعيش البهائم