وقد وصف العلامة ابن القيم صلاة الخاشع فقال: يصلي ما كتب الله له صلاة محب ناصح لمحبوبه، متذلل منكسر بين يديه، لا صلاة مدل بها عليه، يرى من أعظم نعم محبوبه عليه أن استزاره ولم يطلب غيره، وأعزه وأهله بالقرب منه وحرم غيره، وهو يزداد بذلك محبة إلى محبته، ويرى أن قرة عينه وحياة قلبه وجنة روحه ونعيمه ولذته وسروره في تلك الصلاة، وهو يتمنى طولها ويهتم بفراقها كما يتمنى المحب الفائز وصول محبوبه، كما يقول الشاعر: يود لو أن ظلام الليل دام له وزيد فيه سواد القلب والبصر فهو يتملق فيها مولاه تملق المحب لمحبوبه العزيز الرحيم، يناديه بكلامه، معطياً لكل آية حظها من العبودية، فينجذب قلبه وروحه إلى آيات المحبة والوداد، والآيات التي فيها الأسماء والصفات، والآيات التي تعرف بها الله إلى عباده بآلائه وإنعامه عليهم، فتطيب له السير آيات الرجاء والرحمة وسعة البر والمغفرة، وتكون له بمنزلة الحادي الذي يطيب له السير ويهونه، وتقلقه آيات الخوف والعدل والانتقام وإحلال غضبه بالمعرضين عنه العادلين به غيره المائلين إلى سواه، فيجمعه عليه، ويمنعه أن يشرد قلبه عن الصلاة.
فبالجملة يشاهد المتكلم سبحانه وقد تجلى في الكلام، فيعطي كل آية حظها من عبودية القلب الخاصة الزائدة على مجرد تلاوتها والتصديق بأنها كلام الله، بل الزائدة على نفس فهمها ومعرفة المراد منها، ثم شأن آخر لو فطن له العبد لعلم أنه كان يلعب قبل ذلك، كما قيل: وكنت أرى أن قد تناهى بي الهوى إلى غاية ما بعدها لي مذهب فلما تلاقينا وعاينت حسنها تيقنت أني إنما كنت ألعب وعندما يدخل الشخص الجنة ويرى النعيم الذي فيها وتفاوت الدرجات يقول: يا إلهي! لقد كنا نلعب في دار الدنيا، فصلاتنا كلها صلاة عرجاء، لا تؤهلنا إلى أن نأخذ فقط مقبض باب من أبواب الجنة، فمقبض الباب فقط يساوي الدنيا كلها وما عليها، (ولموضع سوط أحدكم من الجنة خير من الدنيا وما عليها).
ولو قيل لك: لو صليت صلاة فسنعطيك فلة على البحر، فإنك ستصلي صلاة لم يصلها أحد؛ من أجل فلة فقط على البحر، فما ظنك بصلاة ترتفع بها إلى أعلى عليين؟