الحمد لله وكفى، وسلام على عباده الذين اصطفى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
ثم أما بعد: فإن أول من عارض الله بعقله هو أبو مرة إبليس اللعين، فهو أول من عارض الشارع الحكيم، فقد حكم عقله حين أمره الله عز وجل بالسجود لآدم:{قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ}[ص:٧٦] فأول معصية كانت في هذا الكون سببها تقديم العقل وتحكيمه.
يا إخوتاه! العقول بعد مجيء الشرع لا تستقل بتحسين ولا بتقبيح، وإلا فلماذا يزوج الواحد منا ابنته برجل غريب بعدما يجلس طوال عمره يؤكلها ويشربها ويلبسها أحسن الثياب؟! وهناك بعض العقول تقول لك:(جحا أولى بلحم ثوره)؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم حرم الحمار الأهلي ولم يحرم الحمار الوحشي، أليس هذا حماراً وهذا حماراً، فلماذا يأتي التحريم في هذا والحل في هذا؟ وأكل لحم الخيل حلال، فلماذا يحرم أكل لحم البغال العقول لا تستقل بتحسين أو بتقبيح بعد مجيء الشرع، لكن الشرع هو الحاكم والعقل محكوم عليه، والشرع يأتي بمحارات العقول لا بمحالاتها، أي يأتي بالأشياء التي تحتار العقول فيها من علم الغيب، فيأتي الشرع ليبينها للناس، وسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم كان همزة الوصل ما بين السماء والأرض.
ونقول للناس: أي عقل نحتكم إليه؟ ألعقل الأوروبي الجاهلي الذي يبيح نكاح المحارم، وزواج الرجل بالرجل، والمرأة بالمرأة، ويحل اللواط؟ أنحتكم إلى العقل الأوروبي لأجل أن نخترع القنبلة الذرية؟ أم نحتكم إلى عقل الهندوس الذي أباح لهم عبادة البقر والفئران؟ أم إلى عقل اليابانيين الذين يعبدون بوذا؟ أم إلى عقل عوام المسلمين من بائعي الترمس وبائعي الفول؟ بأي عقل نأخذ؟ عقل الرجل العامي أم الرجل المفكر؟! وفي الفلسفة هل نأخذ بعقل الفلاسفة الإلهيين أم الفلاسفة الماديين؟ وهل نأتي بأقوال لـ أرسطو وهي ما نفعت أمة اليونان ثم نضيع هدينا؟!