وأيضاً من سنن الله تبارك وتعالى: قانون الظلم: فإن الله تبارك وتعالى حرّم الظلم على كل شيء، وأن الظالم لا بد له من عقوبة في الدنيا قبل الآخرة، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم:(ما من ذنب أجدر أن يعجل الله تعالى لصاحبه العقوبة به في الدنيا مع ما يدخر له في الآخرة مثل البغي وقطيعة الرحم).
وانظروا في تاريخ مصر أو في تاريخ الدول قاطبة: كيف حال الظالمين؟ وأين حال الظالمين؟ ذهبوا إلى مزبلة التاريخ، مشيعين بلعنات الصادقين؛ فهؤلاء أرادوا أن يدخلوا التاريخ فدخلوا التاريخ من أنجس أبوابه.
فمن السنن أن الله تبارك وتعالى قد يعاقب الظالم بتسليط ظالم عليه، قال تعالى:{وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ}[الأنعام:١٢٩] يعني: ينتقم الله تبارك وتعالى من ظالم بظالم، ولذلك كانوا يقولون للحسن البصري: ندعو على الحجاج؟ نخرج على الحجاج؟ قال: إن الحجاج كان عقوبة من الله تبارك وتعالى، وعقوبة الله لا تغير بالسيف وإنما بالتوبة.
وذلك أن أهل العراق لما ظلموا وخرجوا عن طاعة علي رضي الله عنه دعا عليهم كما يقول الحافظ ابن كثير في البداية والنهاية فقال: اللهم سلط عليهم فتى ثقيف الذيّال الميّال يبيد خضراءهم، ولم يولد الحجاج بعد.
يقول الإمام ابن القيم: فأعمال القوم عمّالهم، يعني: أن ولاتنا على قدرنا، وإن ولاة الصدر الأول من الصحابة على قدرهم، ويأبى عدل الله أن يولي علينا أمثال معاوية بن أبي سفيان فضلاً عن أبي بكر وعمر.
والعجيب أنه إذا اختلفت الجماعات الإسلامية لا يلجئون إلى مثل تحاكم معاوية وعلي رضي الله عنهما، فإن علياً لما اختلف مع معاوية وحدث بينهم من القتال ما حدث، قال لـ ضرار: يا ضرار! صف لي علياً؟ قال: اعفني يا أمير المؤمنين! قال: والله لا أعفيك، فجعل يصف علياً قال: كان غزير الدَمعة، قصير الثوب، أشهد والله لقد رأيته في ظلم الليل وهو يتململ تململ السليم ويقول: يا دنيا! إليكِ عني لقد باينتك ثلاثاً لا رجعة فيها.
قال: كيف حزنك عليه يا ضرار؟! قال: كحزن من ذُبح وحيدها في حجرها.
فبكى معاوية حتى بل ثوبه وقال: رحمك الله يا أبا الحسن! وأنت اليوم إذا اختلفت مع أخ لك فإنك تسبه وتلعنه، يعني: كل حسناته تضعها في التراب ولا ترى فيه إلا الشيء السيئ؛ هذا في تعاملات الناس مع إخوانهم، ولم نصل بعد للخلافة ولم نصل إلى الإمبراطورية، بل ما زلنا على الرصيف نمشي، ومن الناس من يقول: نعم والله العظيم، لقد حصل من فتنة علي ومعاوية الضرر الكثير وذهبت الألوف المؤلفة، وهاهو ابن القيم يقول: ويأبى عدل الله أن يولي علينا أمثال معاوية فضلاً عن أمثال أبي بكر وعمر، يعني: ليس من سنة الله في الكون أن يولي علينا أمثال أبي بكر وعمر إلا إذا كنا على نهج الصحابة تماماً، قيل لأمير المؤمنين علي: ما بال الثورات قد كثرت في عهدك ولم تكثر في عهد أبي بكر؟ قال: لأن أبا بكر كان أمير على مثلي وأنا اليوم أميراً على أمثالكم، كما تكونون يولى عليكم.