[مبشرات من التاريخ]
الحمد لله وكفى، وسلام على عباده الذين اصطفى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
هذه مبشرات من التاريخ، ففي أشد الظروف التي مرت بالأمة الإسلامية حيث تكون الأمة أحوج ما تكون إلى النصر يأتي نصر الله، قال تعالى: {حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ} [البقرة:٢١٤]، {حَتَّى إِذَا اسْتَيْئَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَنْ نَشَاءُ وَلا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ} [يوسف:١١٠].
فقد نصر الله المؤمنين يوم بدر، ونصرهم الله عز وجل يوم الأحزاب، وليس ذلك في أيام الرسول صلى الله عليه وسلم بل انظر إلى الأيام التي أعز الله عز وجل فيها المسلمين ودك شأن الصليبين، وانظروا إلى سيف الله خالد بن الوليد في معركة نهر الدم، حيث كانت هذه المعركة بين المسلمين وبين جيوش الفرس، وكان عددهم ١٥٠٠٠٠ ومعهم بعض نصارى العرب، وكان جيش خالد عدده ١٨٠٠٠، فقال جابان قائد جيش الفرس: استعدوا للقاء خالد.
فمن عدم احتفالهم بسيدنا خالد نشروا البسط وأرادوا أن يأكلوا الطعام وهم يرون جيش خالد أمامهم، فأجبرهم خالد بخيوله على ترك الطعام حتى قال لهم قائدهم جابان: والله لكأنكم أعددتم الطعام لـ خالد.
واستمر فيهم القتل، ونزل خالد وقد كان عاهد الله إن منحه أكتاف القوم أن يجري النهر من دمائهم، ولما اقترب النصر صاح منادي خالد: الأسر الأسر، أي: لا تقتلوهم، وجعل يأتي بهم جماعات جماعات فيضرب أعناقهم على حافة النهر.
فأراد أن يبر بقسمه لله عز وجل، وقال له القعقاع بن عمرو التميمي: والله لو أنك قتلت أهل الأرض جميعاً ما وفيت بنذرك حتى تجري قليلاً من الماء في النهر؛ فتحمل المياه دماءهم حتى تبر بقسمك، ففعل خالد وتغير لون مياه النهر ٢٠ يوماً.
ثم قال خالد بعد ذلك للمسلمين: اجلسوا للطعام.
وخطب سيدنا أبو بكر الصديق فقال: يا معشر قريش! عدا أسدكم على الأسد -أي: سيدنا خالد عدا على قوات الفرس- فغلبهم على خراجينه -أي: على اللحم الذي كانوا يأكلون منه-، عجزت النساء أن ينشئن مثل خالد.
وثاني معركة كانت بينه وبين صليبي العرب، واسمها: معركة عين التمر، وكان قائد قوات الصليبين عقة بن أبي عقة في وسط جيشه، وسيدنا خالد في وسط الجيش، ونظر خالد سيف الله عز وجل فقال: احموا مجلدتي بعشرة فرسان، أي: احموا ظهري بعشرة فرسان، ثم انطلق إلى جيشهم فمضى في صف الجيش المحارب ثم صاول عقة بن أبي عقة حتى اقتلعه عن فرسه وأمسك به ثم وضعه على فرسه، وانطلق به إلى جيش المسلمين وانتهت المعركة.
وفي معركة الفراض في ١٥ ذي القعدة سنة ١٢ هجرية كان أول مرة في التاريخ تجتمع فيها قوات الفرس وقوات الروم والصليبين وعددهم ١٥٠٠٠٠، أما سيدنا خالد ومن معه فكان عددهم ٣٨٠٠٠، فقتل منهم سيدنا خالد ١٠٠٠٠٠.
وبعث سيدنا أبو بكر إلى خالد أن يذهب إلى جبهة الروم بالشام، وقال: والله لأذهبن وساوس الروم بسيف خالد.
وكانت معركة اليرموك وفتح دمشق، وكانت في ١٥ رجب سنة ١٢ هجرية، وكانت جيوش المسلمين خمسة جيوش: جيش شرحبيل بن حسنة، ويزيد بن أبي سفيان، وأبي عبيدة بن الجراح، وعمرو بن العاص، وجيش خالد بن الوليد، فمكثوا أربعة أشهر كاملة لا يستطيعون فتح مدينة دمشق، حتى وصلت الأخبار إلى خالد الذي وصفه المؤرخون بأنه لا ينام ولا ينيم، أي: هو لا ينام والعدو الذي أمامه من شدة خوفه لا ينام، فعيونه ذكية، فبث مخابراته فقالوا له: إن نسطاس بن نسطور قائد الروم في دمشق قد ولد له مولود، وإنه سيوزع الخمر الليلة على جنود الحامية، فأعد خالد قرباً مليئة بالهواء ثم عبر عليها النهر سباحة حتى وصل إلى أسوار دمشق، وأعد سلالم من حبال الليف معلقة فيها خطاطيف في نهاية كل حبل، فجعلوا يلقونها على الأسوار فعلق حبلان، فصعد عليهما مذعور بن عدي العجلي، والقعقاع بن عمرو التميمي ومعهما بقية الحبال، فعلقاها فوق أسوار دمشق، ونادى خالد: إذا سمعتم تكبيرنا من فوق الأسوار فانهدوا إليهم، وطيلة الليل يقتل خالد في الروم حتى قالوا: افتحوا الباب لجيش أبي عبيدة حتى لا يفنينا خالد.
وكانت معركة اليرموك هي التي أنهت وجود الروم في بلاد الشام، وكان عدد الروم فيها ٣٠٠٠٠٠ مقاتل، وعليهم قائدهم ماهان أقوى قادة الروم، ومعه القيقلان وبندارق أخو هرقل، وكان جيش المسلمين ٣٦٠٠٠ مقاتل، فيهم ١٠٠٠ صحابي، وفيهم ١٠٠ بدري.
وأرسل سيدنا أبو عبيدة لسيدنا عمر قال: إنه قد أتى المسلمين ما لا قبل لهم به إلا أن يمدهم الله بملائكة، فسيدنا خالد قال لـ أبي عبيدة: إن كنا نقاتلهم بالقوة والكثرة فوالله ما تغني قلتنا أمام الناس شيئاً، وإن كنا نقاتلهم بالله ولله فإن قواتهم لا تغني عنهم ولو ملئوا جيوش الأرض لنا، ثم قال البطل خالد: أتطيعني فيما آمرك؟ قال: نعم، قال: ولني ما وراء ذلك واتركني والقوم فإني أدعو الله أن ينصرني عليهم، وكان على جيش المسلمين في القلب أمين هذه الأمة أبو عبيدة، وعلى الميمنة أعلم الأمة بالحلال والحرام معاذ بن جبل، وعلى الميسرة قباث بن أشيم بطل المسلمين وصنديدهم، وعلى الرجالة قاتل الأسود هاشم بن عتبة بن أبي وقاص، وعلى الخيل خالد بن الوليد، وبالتناوب مع أبي الأعور سعيد بن زيد أحد العشرة المبشرين بالجنة، حتى إن الروم كان كل ١٠٠ منهم يسلسلون بسلاسل، فقتل منهم ١٢٠٠٠٠، منهم ٨٠٠٠٠ مسلسلين بالسلاسل، و٤٠٠٠٠ قتلوا في يوم المعركة، حتى إن القيقلان لما رأى ما حل بالروم من هزيمة منكرة قال: غطوا رأسي، فحز المسلمون رأسه وهو ملفوف.
وفي أيام الدولة الأموية كان مسلمة بن عبد الملك بن مروان الجرادة الصفراء أفضل أخوته، وكان الروم يفزعون منه إلى آخر بلادهم، وكان معه قائد من قواد المسلمين اسمه: أبو محمد عبد الله البطال، فبلغ الذعر بقوات الروم من هذا البطل المسلم ما روي أنه قال له عبد الملك بن مروان: ما أغرب ما حدث لك يا بطال؟ قال: توغلت في أرض الروم في ليلة بادية وإذا أنا بضوء خافت ينفذ من نافذة، وإذا بامرأة تريد أن تنيم ولدها فلا ينام، فتقول له: اسكت وإلا آتيك بـ البطال فأقول: خذه يا بطال، ومدت يدها نحو النافذة قال: فأخذت الصبي منها.
وفي أيام المستعصم الخليفة العباسي بلغ خوف الروم من قائد جيش اسمه ابن فتحون أن الرجل الرومي كان يسقي فرسه من الماء فإذا امتنعت عن الشرب يقول لها: اشربي وإلا رأيت ابن فتحون في الماء.
وفي معركة من معارك المسلمين اسمها: معركة ملاذكرد سنة ٦٥٣ ميلادية كانت بين السلطان المسلم ألب أرسلان وجيشه كان ١٥٠٠٠ مقاتل، وبين أرانوس الرابع قائد وإمبراطور الروم وجيشه كان ٦٠٠٠٠٠ مقاتل، حتى إن ألب أرسلان خاف استئصال شأفة الجيش المسلم فعرض المال -وهذا جائز- على أرانوس الرابع فلم يقبل.
فأتى السلطان وقال: أيها الأمراء! من أراد أن يرجع فليرجع، فلا أمير ولا سلطان عليكم بعد اليوم، وإني ماض إلى الجنة، فمن أراد أن يتبعني فليتبعني، فلبس الجيش كله الأكفان، وكان يسمى: جيش الأكفان، ثم كانت الدائرة في نهاية الأمر على الروم، وأخذ أميرهم وإمبراطورهم أسيراً، ونودي عليه: من يشتري الكلب؟ فنادى أحد جنود المسلمين: لا اشتري الكلب إلا بكلب.
فقراءة التاريخ الإسلامي وما حدث فيه من انتصارات للإسلام والمسلمين مما يذهب الإحباط واليأس عن النفوس.