للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[رسالة أحد الأدباء المعاصرين إلى صلاح الدين]

الحمد لله وكفى، وسلام على عباده الذين اصطفى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

ثم أما بعد فقد وقع الصليب الأعظم للصليبيين في أيدي المسلمين وهو الذي يظنون أن عيسى قد صلب عليه، فأرسل والي عكا لـ صلاح الدين: ما بقى عندنا إلا القدس والصليب، وهذه الديار، وقد كثر القتل منا ومنكم، والصليب عندنا له قيمة عظيمة، وعندكم هو مجرد خشبة، فتفضّل بمنك وكرمك فأرجعه إلينا، وأما القدس فمتعبّدنا لا ننزل عنها حتى آخر رجل منا.

فبعث إليه صلاح الدين الأيوبي فقال: أما ما تقول: إنه قد هلكت الرجال منا ومنكم، فعندنا طعامنا وشرابنا، وأما ما تقول من أن القدس متعبدكم فهي مسرى نبينا، ولا نستطيع أن نقول للمسلمين مجرد كلمة في تنازلنا عنها، وأما صليبكم فلا أعطيه لكم أبداً فهذه أيام صلاح الدين الأيوبي.

فاروق رويدة صاحب الصفحة الأدبية في الأهرام وهي صحيفة قومية كتب فيها يقول: رسالة إلى صلاح الدين الأيوبي يقول في هذه الرسالة عن القدس وعن ديار المسلمين: وطن جميل كان يوماً كعبة الأوطان ماذا تبقى منه الآن تأكله الكلاب وترتوي بالدم فوق ربوعه الديدان الآن ترحل عنه أفواج الحمام وتنعق الغربان الآن ترتع فيه أسراب الجراد وتعبث الفئران الآن يأتي الماء مسموماً ويأتي الخبز مسموماً ويأتي الحلم مسموماً ويأتي الفجر مصلوباً على الجدران وطن بلون الفرح يبدو الآن محمولاً على نعش من الأحزان جسد هزيل في صقيع الموت مصلوب بلا أكفان وطن جميل كان يوماً كعبة الأوطان الآن ترتحل الرجولة عن ثراه ويسقط الفرسان في ساحة الدجل الرخيص يغيب وجه الحق تسقط أمنيات العمر يزحف موكب الطغيان في ساحة القهر الطويل يضيع صوت العدل تخفت أغنيات الفجر تعلو صيحة البهتان وطن بلون الصبح كان وطن جسور أنت في عيني ذليل في ثياب العجز والنسيان وطن عريق أنت في عيني أراك الآن أطلالاً بلا اسم بلا رسم بلا عنوان وطن بلون الصبح كان في أي عين سوف أحمي وجه ابني بعد ما صلبوا صلاح الدين يا وطني على الجدران في أي صبر سوف يسكن قلب ابني بعد ما عزلوا صلاح الدين من عين الصغار وتوجوا ديان يا للمهانة عندما تغدو سيوف المجد أوسمة بلا فرسان يا للمهانة عندما يغدو صلاح الدين خلف القدس مطروداً بلا أهل بلا سكن بلا سلطان في كل شيء أنت يا وطني مهان من علّم الأسد الأبي بأن ينكِّس رأسه ويهاجم الجردان؟ من علّم الفرس المكابر أن يهرول ساجداً في موكب الحميان؟ من علّم القلب النقي بأن يبيع صلاته ويعود للأوثان؟ من علّم الوطن العريق بأن يبيع جنوده ويقايض الفرسان بالغلمان؟ من علّم الوطن العزيز بأن يبيع ترابه للراغبين بأبخس الأثمان؟ من علّم السيف الجسور بأن يعانق خصمه ويعلّق الشهداء في الميدان؟ يا أيها الوطن المهان إني بريء منك يا أيها الوطن المهان ويقول أيضاً في جريدة الأهرام في الصفحة الأدبية: لا تسرعوا في موكب البيع الرخيص فإنكم في كل شيء خاسرون لن يترك الطوفان شيئاً كلكم في اليم يوماً غارقون تجرون خلف الموت والنخّاس يجري خلفكم وغداً بأسواق النخاسة تُعرضون لن يرحم التاريخ يوماً من يفرّط أو يخون كهّاننا يترنحون فوق الكراسي هائمون من حسي نشوة السلطان والطغيان راحوا يسكرون وشعوبنا ارتاحت في غيابات السجون نام الجميع وكلهم يتثاءبون فمتى يفيق النائمون؟ متى يفيق النائمون؟