إن المسلمين والعرب لم يصدقوا اليوم مع الله عز وجل حتى في دار الدنيا، ولم يصدقوا حتى في قضيتهم التي تجمعهم وهي قضية فلسطين، يقول جمال حمدان -الذي قال عنه محمد حسنين هيكل: إنه العالم المصري الفذ، وله كتاب عظيم اسمه شخصية مصر- يقول: كل الأمر وما فيه أن إسرائيل أرادت قيام دولة فصنعها لها العرب.
فاليهود كانوا يريدون أن يقيموا دولة فجاء العرب وقالوا: نحن سنعمل لك الدولة فلا تتعبي نفسك، وأما كيف حدث هذا فإنه في عام (١٩١٧م) قامت الثورة العربية بقيادة الشريف حسين والي مكة، وتحالف مع الجنرال اللنبي قائد القوات البريطانية في مصر لطرد المسلمين الأتراك من فلسطين من القدس، ولم يدخل اللنبي فلسطين إلا ببنادق العرب، فهم الذين قاتلوا وطردوا إخوانهم المسلمين من فلسطين، هذا أول الأمر، وحينما دخل اللنبي فلسطين رطن بالإنجليزية -ولا يعرفها من حوله- وقال: ها قد عدنا يا صلاح الدين! وركز علمه وفيه صليبه هناك على جبل صهيون.
ثم بعد ذلك لما أراد العرب بثوراتهم أن يحرروا فلسطين في عام (١٩٤٨م) جعلوا الجيوش العربية كلها تحت إمرة الملك عبد الله، وقائد قوات جيشه هو جولوب باشا، وقد كان قائداً إنجليزياً، وهل سيحارب الإنجليز من أجل عيون العرب؟! فكانت أعاجيب! ثم في آخر الأمر أتت منظمة فتح العلمانية، ومن أول يوم من قيامها ألغت ميثاق العمل الفلسطيني وكل ما يسيء إلى إسرائيل من عبارات، مثل رميهم من البحر إلى النهر وغيره من الكلام، ووزير خارجية فرنسا لما قابل عرفات بعد محادثاته في مصر قال له: إنك أعطيت الكثير لوزير الخارجية الأمريكي، أفلا تعطي متران وهو رئيس جمهورية شيئاً؟ فقال: ماذا أعطيه؟ قال: تتنازل عن ميثاق العمل الفلسطيني وما يتعلق بإسرائيل وحرب إسرائيل، فقال له: ماذا يعني هذا الكلام بالفرنسية، فقال: كدوه، فقال للسفير الفلسطيني: ماذا تعني هذه الكلمة؟ قال: تعني الإلغاء، فالرجل وهو ينزل من على درجات السلم لما سألوه عن ميثاق العام الفلسطيني قال: كدوه، كدوه، كدوه بالفرنسية.