إن للمغفرة فضلاً عظيماً، فالله عز وجل وصف نفسه بأنه الغفار، فقال سبحانه:{وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ}[البروج:١٤]، وقد كتبها الله تعالى بيده قبل أن يخلق الخلق، فكتب كتاب الرحمة بيده، فهو موضوع عنده فوق العرش: إن رحمتي تسبق غضبي.
وقد فتح الله عز وجل باب التوبة أمام اليهود -عليهم لعائن الله- وهم الذين قالوا: إن يد الله مغلولة، وقالوا: إن الله فقير ونحن أغنياء، وهم الذين ادعوا له الولد، وقتلوا أنبياءه، وأمام النصارى الذين قالوا: إن ثالث ثلاثة، فقال الله عز وجل:{أَفَلا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ}[المائدة:٧٤]، فيقتلون أولياءه ثم يدعوهم إلى التوبة!! {إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ}[البروج:١٠] أي: حرقوا المؤمنين والمؤمنات، {ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ}[البروج:١٠].
فأي كرم أفضل من كرم الله عز وجل، وأي نعمة سابغة أفضل من نعم الله عز وجل، هذا فعله بمن عصاه فكيف إرادته بمن أطاعه، إن كان هذا فعل الله عز وجل بالبعيدين عن بابه، فكيف بالمقربين الداعين إلى ثوابه؟! حكى ذو النون المصري أنه رأى ضفدعة كبيرة تسبح في الغدير وعليها أفعى، فقال: إن لهذه الضفدعة لشأناً، فعبر وراءها الغدير فلما وصلت إلى سطح الغدير الثاني إذا برجل سكران مخمور نائم وحية أخرى أرادت أن تلسعه في أذنه، وإذا بالأفعى تنزل من على ظهر هذه الضفدع ثم تستجمع كل قواها فتقتل تلك الأفعى، فيوقظه ذو النون ويقول له: يا غافلاً والجليل يحرسه عن كل شيء دب في الظلم كيف تنام العيون عن ملك تأتيك منه فوائد النعم فبكى الرجل فقال: يا رب، هذه إرادتك بمن عصاك فكيف إرادتك بمن أطاعك؟ إن فضل الله عز وجل في التوبة لا يدانيه فضل، والله تبارك وتعالى يسوي بين دعوته إلى الجنة وبين دعوته إلى المغفرة، قال الله تبارك وتعالى:{وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ وَيُبَيِّنُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ}[البقرة:٢٢١]، فيسوي بين الجنة وبين المغفرة، بل لا يدخلون الجنة حتى يغفر الله عز وجل لهم، قال الله عز وجل:{وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ}[آل عمران:١٣٣].