وهنالك ثلاثة أمور قد يغفل العالم عنها عند النصح: الأمر الأول: أن تنسى ذنبه، وتغفل عنه حين تعظه، فربما كان الظاهر من ذنبه أقل من المستور من ذنوبك التي لا يطلع عليها الخلائق، ولو اطلع عليها الخلائق لعكر عليهم الملاذ.
ولذلك كان محمد بن واسع كان يقول: والله إن نتن أخلاقي أشد من نتن جسدي في التراب بعد ثلاث، وغداً يقال: مات الحبر العالم الصالح، ولو قد عرفوني حق معرفتي لنفسي ما دفنوني.
وآخر يعظ شخصاً حليقاً كل يوم ويقول له: ألا تعرف أن اللحية فرض! وربما كان الواعظ يضرب أباه وأمه بالعصا يومياً.
الأمر الثاني: أن تظن أن هذه النعمة التي أقامك الله عز وجل فيها هي منك، يعني: أن تظن أن الله تبارك وتعالى حين أقامك في مجال الدعوة وفي نعمة الطاعة أنها منك لا من الله تبارك وتعالى، يقول الله تبارك وتعالى:{وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ}[النور:٢١]، وانظر إلى قوله صلى الله عليه وسلم:(لن ينجي أحد منكم من النار عمله)، فهذا يخلصك من داء الكبر.
الأمر الثالث: أن تنسى الخاتمة، فربما ختم الله عز وجل له بالطاعة وختم لك بالبدعة، ونأتي بمثال: كان القصيمي أكبر عالم من علماء نجد، ومن أفضل الدعاة إلى التوحيد، فقد أفحم شيخ الأزهر حتى قال رجل من أهل التوحيد: ما كنت أظن أن شيخ الأزهر في زمانه يعيش بعد نقد القصيمي له، فقد انتقده فيما يزيد عن عشرين ألف ورقة من غرر العلم في العقيدة، ثم بعد هذا ختم له بأن كان قبورياً ومات على قبوريته.
وكتبه موجودة عندنا في الأسواق في موضوع التوسل والشفاعة والاستغاثة لا يعلوها علم، ثم بعد هذا أضله الله على علم، ولعله كان عنده خبث طوية، ثم بعد ذلك ختم الله عز وجل له بسوء الخاتمة، ولذلك فإن سفيان الثوري يقول: بكينا على الذنوب زماناً، ونحن الآن نبكي على الإسلام.
فالإنسان لا يغمط أحداً حتى لا يدل على أحد، ولا يفتخر على أحد حتى يخلف جسر جهنم وراء ظهره، وإذا خلفه قال كما قال أهل الجنة:{وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ}[الأعراف:٤٣] فهذا قمة التواضع.
ليس كما يقال: إننا كنا في الدنيا نعمل كذا! وكم وعظنا وكم أقمنا دروساً؟ فمثل هذا لا يدخل الجنة؛ لأنه قد امتلأ كبراً، فهو لا يعبر الجسر بداية.