للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[إقامة الصلاة]

السبب الثامن: قال أهل العلم عند قول النبي صلى الله عليه وسلم: (وجعلت قرة عيني في الصلاة): إن قرة عينه هي نعيم القلب.

قال الإمام ابن القيم في (إغاثة اللهفان): الصلاة عبارة عن حركات تباشرها الجوارح، وأساسها الخشوع، والخشوع من أعمال القلوب.

كان علي زين العابدين إذا توضأ اصفر وجهه، فإذا وقف للصلاة بين يدي الله عز وجل يرتعد، ولما يسأل عن ذلك يقول: أتدرون بين يدي من أريد أن أقف؟! فما تلذذ المتلذذون بمثل الخلوة في الصلاة، ولا بمثل الذل والتضرع ومد اليد إلى الله عز وجل، فهو والله النعيم الذي يحسه أهل الليل في ليلهم، فهم في لذة أعظم من أهل اللهو بلهوهم.

قال ثابت البناني: كابدت الصلاة عشرين سنة واستمتعت بها عشرين سنة.

قم في الدجى بين يدي الله عز وجل، وتحرى في قيامك الثلث الأخير؛ علك أن تصادف ساعة الإجابة فتسعد، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن في الليل لساعة لا يوافقها رجل مؤمن يسأل الله عز وجل شيئاً من أمر الدنيا والآخرة إلا أعطاه إياه، وذلك في كل ليلة)، فقم واسجد لله عز وجل واغسل بدموعك خدودك، وسل الله عز وجل أن يفك أسرى المأسورين من المسلمين، وأن يفرج الكرب عن المسلمين.

يذكر عن صلاح الدين الأيوبي لما حاصر الصليبيين أنه كان يطوف على الأمصار وعيناه تذرفان الدموع، ويقول: يا للإسلام! يا لعكا! وقالوا: كان يحمل الأحجار في حجره ليصلح من حصون عكا، ويحمل هماً كالجبال في صدره حزناً على الإسلام وغماً على حال المسلمين، مع أنه كان حينها قد أصيب بالدماميل في ظهره، وما كان يستطيع أن يأكل إلا وهو مستلق على بطنه من شدة الدماميل التي في ظهره، ولكن كان إذا ركب الخيل ينسى هذا كله، فكان يتعجب قاضيه ابن شداد ويقول: إنك لا تأكل إلا نائماً على بطنك، فكيف تركب الخيل؟ يقول: والله لا أحس بألمها حتى أعود مرة أخرى إلى الأرض، إنها معونة الله عز وجل.

وظل يبني الأبراج ويبني الحصون إلى أن سلم أهل عكا، بعد أن ضيق عليهم النصارى الحصار من قبل البحر، وأتت السفن تضربهم كي يستسلموا، واشترطوا على النصارى الأمان، إلا أنهم غدروا فبعد أن سلم المسلمون لهم ذبحوا ٣٠٠٠ صبراً، جمعوهم وذبحوهم في الصحراء، ولم يوفوا للمسلمين بأي عهد، وبكى صلاح الدين في هذا اليوم بكاء لم يبك مثله في أي يوم آخر.

وممن حمل هم الإسلام محمود زنكي، ومما يؤثر عنه أنه كان يروي الحديث بالسند، فجاء حديث أن رسول الله تبسم، وتبسم راوي الحديث الصحابي، ثم التابعي، فقالوا: تبسم حتى تكتمل السلسلة، فقال: والله إني أستحي من الله عز وجل أن يراني متبسماً والصليبيون يحاصرون دمياط، وكان الصليبيون وقتها محاصرين لدمياط، وما بنيت المنصورة إلا قلعة من قلاع الجهاد لوقف زحف الصليبيين على دمياط.

إن مما ينبغي على المسلمين بعد أن يتعلموا دينهم أن يقرءوا التاريخ الإسلامي، وأخبار المعارك الإسلامية، فإن المسلم حين يجد أن المسلمين قد وصلوا إلى قرية سينس وهي تبعد عن باريس ثلاثين كيلو متراً من جهة الجنوب، ووصلوا إلى جبال الصين، ووصلوا إلى سيبريا، سيجد الفرق الهائل بين المجد القديم لأمة الإسلام والحاضر المزري الذي أبرز صورة عجز المسلمين عن الدفاع حتى عن القدس.