وهناك أمثلة عطرة في تاريخ الإسلام لعلو كعب العلماء في المحافظة على صلاة الجماعة، والمسارعة إليها، وفي اختيارهم المكان البعيد؛ كي يكسبوا الثواب، فـ سعيد بن المسيب يقول: منذ أربعين سنة ما فاتتني تكبيرة الإحرام في المسجد، ومنذ ثلاثين سنة وأنا أسمع صوت المؤذن في المسجد.
ويقول: منذ أربعين سنة ما نظرت إلى قفا مسلم في صلاة؛ لأنه كان يصلي في الصف الأول، فلا يوجد أحد أمامه حتى يرى قفاه.
وأما حضور صلاة الفجر ليلة الزواج فهذه لا تخطر على بال، وما الذي يمنعك إن أنت تزوجت أن تصلي في المسجد وترجع إلى زوجك؟ روى الإمام الطبراني عن عنبسة بن الأزهر قال: تزوج الحارث بن حسان وكان له صحبة، فأراد أن يخرج لصلاة الفجر فقيل له: أتخرج وإنما بنيت بأهلك في هذه الليلة؟! قال: والله إن امرأة تمنعني من صلاة الغداة ومن صلاة الفجر في جمْع لامرأة سوء.
والإمام سعيد بن المسيب لما اشتكى عينه قالوا: اذهب إلى البادية، قال: فكيف بصلاة الغداة والعشاء؟ أي: لا داعي لذلك، وعيني ستشفى إن شاء الله.
وكانوا يحضرون وهم مرضى.
فالإمام أبو عبد الرحمن السلمي كان يقول: قوله صلى الله عليه وسلم: (خيركم من تعلم القرآن وعلمه) هو الذي أقعدني هذا المقعد منذ أربعين سنة.
فقد درس الناس وعلمهم القرآن أربعين سنة، ثم لما مرض أبو عبد الرحمن السلمي وكان قد نزل المطر قال لهم: احملوني على أكتافكم وخذوني إلى المسجد، فكان يحمل وهو مريض إلى المسجد.
والإمام سعيد بن المسيب قيل له: إن طارقاً يريد قتلك، فقال: أبحيث لا يقدر الله علي؟ فقيل له: اجلس في بيتك تحمي رقبتك، فقال: أسمع حي على الفلاح ولا أجيب؟!