للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[حياء المحبة]

أما حياء المحبة فمثاله في البشر أن الرجل مثلاً إذا عقد على امرأة ولم يدخل بها، ثم ذهب إلى بيت أبيها فمجرد أن تخرج عليه تجد أن الدم يتصاعد إلى جبينه من غير أن يدري، أو يتلعثم في كلامه إذا رآها أول مرة بعد العقد، وهذه حالة يعرفها كل الناس، قال الشاعر: فما هو إلا أن أراها فجاءة فأبهت حتى ما أكاد أجيب وإني لتعروني لذكراك هزة لها بين جلدي والعظام دبيب وأما حياء المحبة بالنسبة لله تبارك وتعالى فهذا يدفعك إلى كره المخالطة للخلق، فإذا أحببت الله عز وجل، وعلمت أن الله عز وجل قريب منك، فهذا يدفعك إلى حب الله عز وجل، وهذا الحب يدفعك إلى الأنس بالله عز وجل، ويكره إليك مخالطة الخلق، فهذا شيخ الإسلام ابن تيمية كان إذا أصحر يقول: وأخرج من بين البيوت لعلني أحدث عنك القلب بالسر خاليا وما بقى من زمان الدنيا إلا الخلوة بالله تبارك وتعالى، قيل للإمام أحمد بن حنبل: ما تشتهي؟ قال: سرداب أخلو بالله تبارك وتعالى فيه.

فإذا أبعدك الله عز وجل من مخالطة الخلق، وأنعم عليك بجواره ومحبته والأنس به، فقد اجتباك الله تبارك وتعالى، ولذلك مما يقسي القلب فضول مخالطة الناس ومجالستهم، وقد نهي عن السمر بعد العشاء إلا مع زوج، أو في مطالعة العلم، لكن الناس الآن تبدأ أمورهم بعد صلاة العشاء، وجلساتهم لا تطيب ولا يحلو لهم الجلوس إلا بعد صلاة العشاء، ثم بعد ذلك يضيع عليهم الفجر، فبالله عليك هل العدد الكبير الذين يصلون في العشاء يصلون الفجر؟ فلو أقللت من مخالطتك للناس، وعلمت أن لله حقاً في حرمات الليالي لما كان هذا حالنا مطلقاً.