[سير السلف في قراءة القرآن في رمضان وغيره]
مزامير الأنس، من حضرة القدس، بألحان التوحيد، من رياض التمجيد، هذا طعم الخبر، فكيف بطعم النظر! آيات منزلة من حول العرش، الأرض منها سماء فهي منها نجوم، فلم لا تقبلون على كتاب الله تبارك وتعالى؟ يقول عثمان بن عفان: لو طهرت قلوبكم ما شبعت من كلام ربكم.
يقول أحمد بن أبي الحواري: إني لأعجب لقراء القرآن كيف يهنؤهم النوم ومعهم القرآن! أما والله لو علموا ما حملوا لطار عنهم النوم فرحاً بما رزقوا.
يا إخوتاه! هذا شهر يستحب فيه ختم القرآن في أقل من ثلاث، وعليه عمل السلف في هذه الأمة وعبّادها، فـ الشافعي كانت له ستون ختمه في شهر رمضان، يعني: أنه يتلو القرآن مرتين يومياً بواقع ستين جزءاً، وأقسم بالله إني لأعلم شباباً يقرءون القرآن في سبع ساعات حدراً لا يخطئون خطئاً واحداً، ففي سبع ساعات يمرون عليه مروراً.
وعليه قول الإمام مالك فقد سئل الإمام مالك عن رجل يقرأ القرآن كل ليلة ويختمه، فقال: القرآن إمام كل خير، وأمام كل خير.
وهذا قول أحمد، وقول إسحاق بن راهويه أنه لا يكره الختم في أقل من ثلاث؛ لأن هذا فقط في الأيام التي يرجى فيها الخير ويستحب فيها الدعاء، وليس هذا ديمة، فأديموا مع القرآن وقوفكم.
عجباً لك يا أخي! يأتيك خطاب من ابن عمك ربما كان لا يساوي خردلة في ملك الله، فتقرأه في الطريق ولا تستمهل أن تصل إلى البيت فتقرأه! وأمامك كتاب الله تبارك وتعالى فلا تسعد عينك بالنظر إليه! أحد تابعي هذه الأمة -وكان ضريراً- سأل الله تبارك وتعالى أن يمن عليه بالبصر وقت قراءة القرآن فقط، فكان إذا قرأ القرآن عاد إليه بصره.
رميت ببين منك إن كنت كاذباً وإن كنت في الدنيا بغيرك أفرح وإن كان شيء في الوجود سواكم يقر به القلب الجريح ويفرح هوى غيركم نار تلظى ولحظة وحبكم الفردوس بل هو أفسح اسمعوا إلى الطيب الحيي سيدنا عثمان بن عفان ذي النورين لما قتلوه بكت زوجته نائلة، تصوروا يا إخوتاه رجال من هذه الأمة ينتسبون إلى هذه الأمة يقتلون عثمان ذا النورين! أناس تمتد أيديهم إلى ذي النورين الذي تستحي منه الملائكة، ويقتلونه وهو يقرأ القرآن، فيسيل الدم على قول الله تبارك تعالى: {فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} [البقرة:١٣٧].
تقول زوجه: قتلتموه وإنه كان يحيي الليل كله بالقرآن، ويقرؤه كله في ركعة واحدة، وفيه نزل قول الله تبارك وتعالى: {أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الآخِرَةَ وَيَرْجُوا رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الأَلْبَابِ} [الزمر:٩].
فأين نحن من تلاوة القرآن؟ أين نحن من تدبر القرآن؟ أين نحن من الرجوع والتحاكم إلى القرآن؟ يا أخت أندلس عليك سلام هوت الخلافة عنك والإسلام طوي الهلال عن السماء فليتها طويت وعم العالمين ظلام وقال الآخر: بكت الصلاة وتلك فتنة عابث بالشرع عربيد القضاء وقاح أفتى خزعبلة وقال ضلالة وأتى بكفر في البلاد بواح ضجت عليكِ ممالك ومآذن وبكت عليكِ منابر ونواحي فالصين والهة ومصر حزينة تبكي عليكِ بمدمع سحاح والشام تسأل والعراق وفارس أمحى من الأرض الخلافة ماح خطب أتى طول الليالي دونه قد طاح بين عشية وصباح وعلاقة فصمت عرى أسبابها كانت أبر علاقة الأرواح نزلت صفوف المسلمين ودمعهم في كل غدوة جمعة ورواح فلتسمعن بكل أرض داعياً يدعو إلى الكذاب أو لسجاح ولتسمعن بكل أرض فتنة فيها يباع الدين بيع سماح يبكى على ذهب المعز وسيفه وهوى النفوس وحقدها الملحاح {إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ} [يوسف:٤٠].