هذا الحياء اختفى من بين الناس، كحياء سيدنا علي بن أبي طالب، حيث قال: كنت رجلاً مذاءً فاستحييت أن أسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لمكانة ابنته، فأمرت المقداد أن يسأل النبي صلى الله عليه وسلم، فما بال الناس قد ارتفع هذا من دنياهم، فيجلس الرجل ويحدث بهذا وبجواره ابنته ولا يستحيي، بل ويكلم الرجل حميه ونسيبه في المسألة مما يتعلق بابنته ولا يستحيي منه.
ومثل الرجل يستحيي أن يسأل ربه الدنيا وهو يعلم أنها لا تساوي عند الله عز وجل جناح بعوضة، يقول أحد العباد: إني لأستحيي أن أسأل ربي الدنيا وهو مالكها، فكيف أسألها من غير مالكها؟! حياء عزة النفس وشرفها، كالرجل الكريم الجواد العظيم في هباته لله، إذا صدر منه ما هو أقل من قدره فإنه يستحيي من هذا وكأنه هو الآخذ، ولا ينظر إلى عيني الآخذ؛ لأنه يعلم كثرة السؤال، فإذا كنت مثلاً متعوداً أن تعطي أحداً من إخوانك كلما قابلته جنيهين، وفي يوم من الأيام قابلته ولا يوجد معك سوى ربع جنيه، فتعطيه هذا الربع وأنت مستحي منه تغض بصرك إلى الأرض، وكأنك أنت الذي أخذت، ومن آداب الأعطية ألا تنظر إلى عيني الآخذ، فللسؤال كسرة، نسأل الله تبارك وتعالى أن ينجينا وإياكم من هذا.